هل يكون الشارع الملاذ الأخير للعمّال؟
رغم أنّ لبنان يُصنف من أغلى الدول من حيث كلفة المعيشة، ونسبة الفقر فيه تكاد تُلامس الـ 75 والـ 80 %، إلّا أنّ المعنيين لم يحسموا بعد قرار تصحيح الرواتب التي لا يتجاوز الحد الأدنى فيها الـ 200 دولار شهريّاً. ولا تبدي السلطة إحساساً بالمسؤوليّة تجاه توسّع شريحة الفقراء في لبنان، إذ رحّلت لجنة المؤشرّ تصحيج الأجور “الهزيل” إلى أشهر لاحقة بعد صراعٍ مع أرباب العمل ورفض العمال لهذه الزيادة “الخجولة”.
لم يَستطع عمّال لبنان أن يُميّزوا نوع الدخان المُتصاعد من مدخنة اجتماع لجنة المؤشرّ، لا أبيض ولا أسود، بل بقيَ في المنطقة الرماديّة حيثُ جاءت النتائج بشكل مُخيّب للآمال بحيث لا تُسمن ولا تُغني من جوع. فبعد مُماطلة وتسويف لأشهر طويلة أقرّت اللجنة رفع الحدّ الأدنى للأجور إلى 28 مليون ليرة ما يُوازي 310 دولارات.
بدء “مروحة الاتصالات”
رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر يقول لـ “نداء الوطن”: “بدأنا اتصالاتنا، وهي من شقيّن: سياسية ستشمل كبار المسؤولين لشرح سبب رفضنا وشرح الواقع الذي حصل ضمن اللجنة، ومن جهة أخرى مشاورات مع نقابيين في الاتحاد العمالي العام، من مختلف النقابات، وبدأنا هذه الاتصالات منذ ثلاثة أيام في هذا الإطار، وسنواصل الاجتماعات تمهيداً لاتخاذ القرار المُناسب، بعد أن نكون قد رأينا إلى أين ستؤدي الاتصالات السياسية. كما إننا مستمرون بالاتصالات مع وزير العمل، وطلبت في الوقت عينه موعداً مع رئيس الحكومة وناشدته من خلال وسائل الاعلام إذا كان بإمكاننا إعادة صياغة هذا القرار بشكل يؤمّن التوازن والاستقرار للطبقة العمالية، وليس إرساء مبدأ من الظلم وغياب العدالة والتراتبيّة الإدارية والوظيفيّة”.
“رقم مقبول”
وعن الرقم الذي من الممكن أنْ يُرضي الطرفيْن، يُجيب الأسمر: “تحسساً بالواقع وأوضاع المؤسّسات والواقع الاقتصادي الصعب الذي لم يتغيّر حتى الآن، منذ بداية العهد لمسنا محاولات جريئة لتحسين هذا الواقع، إنما نرى أنّ الواقع الاقتصادي يُراوح مكانه ولم يتحسن كثيراً، وبالتالي راعينا هذا الواقع، ولدينا أرقام موثقة ومن دراسات قام بها الاتحاد العمالي العام ومن منظمات محلية ودولية، أن حدّ الأجر اللائق في لبنان بين 900 وألف دولار أميركي. لذلك، تحسّساً منا، عدنا إلى الرقم الذي طرحناه العام الماضي أي 550 دولاراً أميركيا، وكانت المفاوضات حول هذا الرقم. يمكننا أيضاً التشاور في هذا الإطار والحديث عن الأجر ومتمّماته وأن يموّل أحدهما الآخر. حتى أن متمّمات الأجر رُفِضت، كبدل النقل والمنح المدرسية، وكانت مؤجلة إلى العام المُقبل. لذلك المطلوب وصل ما انقطع والعودة إلى الحوار. وفي حال لم يؤدِّ الحوار إلى نتيجة، لدينا أسلوبنا النقابي القائم على الاعتصامات والتحرّكات والإضرابات. الخيارات مفتوحة”.
يختم: “عقدنا اجتماعات عامة عديدة هذا الأسبوع، النقابات والمؤسسات العامة والمصالح المستقلة التي هي عصب الحركة الاستثمارية في البلد كالمرفأ والكهرباء والمياه وأوجيرو والضمان الاجتماعي والريجي وجزء من البلديات… عقدنا اجتماعات مكثفة، والرأي كله يرفض هذا الاقتراح، وهذا الأسبوع سنعقد لقاءات مع عدة قيادات نقابية كاتحاد موظفي المصارف 25 ألف موظف لا يشملهم هذا القرار، لذلك المشاورات مُستمرّة”.
اقتراح من الوزير
وبعد إصدار المنسّق العام الوطني للتحالف اللبناني للحوكمة الرشيدة مارون الخولي، بياناً اعتبر فيه أنّ “قرار زيادة الحدّ الأدنى للأجور التي اقترحها وزير العمل محمد حيدر وسيعرضها على مجلس الوزراء غير عادلة ولا تُلبّي الحاجات، يعتبر الخولي في حديثٍ إلى “نداء الوطن” أنّ “وزير العمل لديه اقتراح لزيادة الحدّ الأدنى إلى هذا الرقم، لكن إشكاليتنا هي أننا لا نريد أن نقول إنّ لجنة المؤشر اجتمعت وقرّرت ووصلت إلى هذا الرقم، بل هذا اقتراح من وزير العمل، لكن سؤالي: بناء على أي معطيات اقترح الوزير هذا الرقم؟ هو رأس لجنة المؤشر، وهذه اللجنة أهدافها مُحدّدة، وهنا نتحدّث في القانون وليس في سياسة التسويات ولا السياسة الحكومية أو أي سياسة أخرى. نحن معنيون بالمرسوم 3144 المتعلق بغلاء المعيشة، حيث يدعو الوزير الأعضاء الممثلين لأطراف الإنتاج الثلاثة، الإحصاء المركزي التابع للدولة، والهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام، يجتمع الأعضاء ويدرسون وتُصدِر كل جهة تقريرها بالنسبة لموضوع التضخم وغلاء المعيشة. لكن السؤال المطروح: هل أخذ الوزير خلاصة من هذه الدراسات بالاعتبار وبعدها خرج بالاقتراح؟ هل تبنّى الوزير اقتراح زيادة الخمسين في المئة منفرداً؟ إشكاليتنا هي أن طالما أننا نخرج من لجنة المؤشر، فلنتبع القوانين المرعيّة الإجراء، والتي تحدّد طريقة عملنا في موضوع لجنة المؤشر أكان لجهة التضخم أو غلاء المعيشة. إذاً بالشكل نرفض هذا الاقتراح، ولا نريد أن نقول إن لجنة المؤشر خرجت بهذا القرار بل وزير العمل منفرداً بمعزل عن موضوع لجنة المؤشر، لأن في حال أراد الوزير القول إن لجنة المؤشر خرجت بهذا القرار، عليه أن يعرض هذه الدراسات الثلاث ويعرض أرقاماً، وهذا ما لم يفعله الوزير بل قام بتسوية سياسيّة منفرداً ووضع هذا الرقم”.
ويسأل الخولي: “كيف بنى الوزير اقتراحه بإعطاء الحدّ الأدنى للأجور، لأن الحدّ الأدنى أكان على مستوى قانون العمل اللبناني أو منظمة العمل الدولية، هناك شرط أساسي بأن الحدّ الأدنى يؤمّن الاحتياجات الضرورية لكرامة الإنسان”.
“الرقم معروف”
يتابع الخولي: “كان من المُفترض اتباع مواد لجنة المؤشر وأخذ التقارير الثلاثة التي تتحدّث عن غلاء المعيشة وتتضمن أرقاماً، والرقم بات معروفاً ولا يقلّ عن ألف دولار أميركي، ونعترف بهذا الرقم، لأن حتى في حال وجود دراسة لأصحاب العمل لا يمكن رفع الحدّ الأدنى للأجور وفي موضوع التضخم إلا بألف دولار، والأمر سيّان بالنسبة للإحصاء المركزي”.
ويرى الخولي أنّه “على الدولة اللبنانية ورئيس الحكومة شخصيّاً والحكومة مجتمعة أنْ يستعيدوا المبادرة باتجاه تصحيح هذا الخطأ الحاصل، وأن يراجعوا الأرقام وما يقوله القانون والعمل على أساسه. وفي حال لم يتمكّنوا من إعطاء الموظف حقوقه، نتشاور لاحقاً، لكن لتعترف أوّلاً”.
الخطوات المُقبلة
وردّاً على سؤال حول الخطوات المُقبلة في حال وافق مجلس الوزراء على الاقتراح، يُجيب الخولي: “نعتبر القرار خاطئاً، وبالتالي ليس من المُفترض بمجلس الوزراء تبنيه. على أي أساس سيتبناه؟ على أي أساس سيقبل به مجلس الوزراء وكيف سيصدر مرسوماً؟ بناء على أي معطيات؟ بناء على أي دراسة؟ لا يمكن للحكومة أنْ تقبل بالخطأ وتجاريه. الحكومة ما زالت في بداية عهدها، فإذا أرادت أن تتعامل مع الطبقة العمالية بنظرية الاستهتار واللامبالاة وبهذه الخفة، فكونوا أكيدين أنّ هذه الحكومة ستسقط حكماً في الشارع”.
ويشدد الخولي على أنّ “العمال هم أساس عمل الدولة وفي حال لن تعترف بحقوقهم فلن يعترفوا بدورهم بهذه الدولة. فلتسقط حكومة لا تعترف بحقوق العمال. وانطلاقاً من هنا، نرفض بشكل كامل الاقتراح ونطالب بتصويب المسار وبأن يسحب رئيس الحكومة الملف والعودة إلى لجنة المؤشر وما ينصّ عليه القانون ومراجعة الدراسات والتفاوض مع العمال، والحصول على مبلغ الألف دولار على دفعات، ويُمنّن العامل صاحب العمل وليس العكس”.
مُعادلة بسيطة؟!
يختم: “لبنان في المرتبة الأولى بين الدول العربية في مؤشر الغلاء والمرتبة 14 في العالم، وهذا يعني أن كل القطاعات والخدمات والتجارة والأعمال والمستشفيات والسكن أسعارها مرتفعة، فلماذا لا يُعطى العامل أجراً يتناسب مع هذا الغلاء. عندما صاحب العمل يتقاضى مبلغاً مرتفعاً لقاء خدمات يقدّمها، لماذا لا يعطي العامل لديه ما يتناسب مع هذا الغلاء، وهذه رسالة إلى الهيئات الاقتصادية، ألا يستغلوا ثغرة ضعف الحركة النقابية وأن الأحزاب تدير الحركة النقابية وتُمسك بها. ليعلموا بأن هذا الظلم لا يمكن أنْ يستمرّ بهذا الشكل”.
رماح هاشم – نداء الوطن