مجلس الأمن و إجتياح رفح
بقلم حسين نورالدين
إن أهم ما حققه قرار مجلس الأمن الدولي المتعلق بوقف إطلاق نار فوري في غزة، هو بعض التجميل لصورة الإدارة الإمريكية أمام جمهور الناخبين الأمريكيين من جهة، و تحرير رئيس حكومة الكيان الإسرائيلي من بعض الضغوط و القيود و إعطائه مساحة أوسع للحركة و المناورة على الصعيدين السياسي و العسكري.
أما الإعتقاد أن أمريكا تخلت أو بدأت تتخلى عن إسرائيل أو عن حكومتها الحالية فهذا غير واقعي، و كذلك الإعتقاد ان حكومة الكيان تتحدى الولايات المتحدة و تواجهها و ترفض إملاآتها هو ابتعاد عن الواقع، لا بل انفصال عن الواقع، فما يحصل الآن ما هو إلاّ إعادة ترتيب الأوراق و تقسيم الأدوار داخلياً و خارجياً لكل طرف منهما على حدة، بما يتناسب مع ظروفه السياسية.
هذا الخلاف الشكلي بينهما ليس له بمجريات الحرب التي تبنتها أمريكا و دعمتها منذ اليوم الأول بحاملات طائراتها و أسلحتها و ذخائرها و أموالها و خبرائها و جنودها، و ليس هذا الخلاف بسبب نية إسرائيل اجتياح رفح، ولا بسبب قطع الطعام و الدواء عن الغزيين.
ما يحول بين نتنياهو و عملية برية واسعة في رفح ليس بسبب الضغط الأمريكي ولا المواقف الأوروبية خشية ارتكاب الكيان مقتلة فظيعة في رفح، ولا المواقف العربية الهزيلة التي كان لبعضها دور في اقامة جسر بري لإيصال ما يحتاجه الكيان بعد تعطل الملاحة في البحر الأحمر، فهذا كله لم يزعج أحداً طوال خمسة أشهر و نيف من الإبادة و التجويع المستمرين في قطاع غزة.
ما يحول بين نتنياهو و اجتياح رفح فقط هو انتهاء الحرب، فإذا نفذ غداً عملية اجتياح واسعة في رفح و دمر ما دمر و قتل ما قتل و جرف ما جرف و انتهى بعد اسبوعين او اكثر دون القضاء على حماس و دون منع اطلاق الصواريخ على بلدات و مدن الكيان و دون تحرير أي اسير حي لدى فصائل المقاومة، فماذا سيفعل حينئذٍ و ماذا سيقول و ما هو سبب بقائه في الحكومة بعد ذلك.
كذلك هو الحال بالنسبة لجبهة الشمال الفلسطيني المحتل مع جنوب لبنان فإن ما يمنع اتساع رقعة المواجهة فيها، ليس الموقف الأمريكي، ولا زيارات المبعوث عاموس هوكشتاين ولا غيرهما، ما يمنع اتساع الحرب هو أولاً أن كلا الطرفين لا يريدان اتساعها، وثانياً عدم معرفة كل طرف بما يخبئه له الطرف الآخر من مفاجآت، بالإضافة إلى الوضع الداخلي لكل طرف، حيث حزب الله يقوم بواجباته في الاسناد و دوره في المعركة مع مراعاة عالية و دقيقة لحساسية الوضع اللبناني الداخلي سياسياً و اجتماعياً و اقتصادياً، وفي المقابل فإن أنصاف المجانين في الكيان، ” حيث انه ليس هناك عقلاء، هناك مجانين و انصاف مجانين” فأنصاف المجانين هناك الذين يمتلكون شيئاً من الواقعية يعرفون أن جيشهم الذي يخوض حرب إبادة في قطاع غزة منذ أشهر و لم يحقق أي انجاز يذكر، هو جيش متعب و متهالك، ولا يستطيع القتال على جبهة واسعة و مفتوحة مع لبنان تطلب الكثير من الجهد والسلاح و الجنود الذين خسر الكثير منهم في قطاع غزة المحاصر و سلاح مقاومته تصنيع محلي و يدوي، فكيف سيكون الحال مع جبهة تملك ترسانة ضخمة من الأسلحة الدقيقة و غير الدقيقة وليس خاضعة للحصار!
بناءً على ما سبق، فإن الرهان على قرار مجلس الأمن الصادر او الذي سيصدر بأشد العبارات ضد الكيان هو رهان خاطئ، فإسرائيل منذ نشأت كيانها لم تعر أي اهتمام وأي احترام لمجلس الأمن او لغيره، و تتهم الجميع بمعاداتها فيما هم يقدمون لها الدعم و الطاعة و النذور، و الرهان على مواقف هذه الدول او تلك هو رهان خاطئ ولن يغير في واقع الأزمة شيء، فكل هذا الحراك الدولي و العويل و التباكي سببه فقط هو الصمود الأسطوري للغزيين مواطنين و مقاومين، ولولا هذا الصمود لما تغيرت ولا تبدلت تلك المواقف، التي ساهمت بشكل كبير في إطالة الحرب و جريمة قتل الشعب في غزة.