لن تنتهي الحرب قريباً.
حسين نور الدين
لن تنتهي الحرب قريباً، ليس فقط للأسباب التي أفاض في شرحها و تحليلها كثير من المحللين و الخبراء، إنطلاقاً من أسباب آنية تدور معظمها حول النتائج القريبة و السريعة، بدأً من نفاذ الخيارات أمام رئيس حكومة الإحتلال نتنياهو، الذي عندما يقرر اغلاق أبواب الجبهة سيفتح على نفسه و من معه الكثير من أبواب المحاسبة و المحاكمة، خاصة في ظل غياب أي انجاز ميداني يذكر، بالاضافة الى تحويل المجتمع الاسرائيلي الى مجتمع هش و ضعيف و منقسم عامودياً و أفقياً منذ أزمة التشريعات لدى دولة الكيان، هذه الأسباب و بالرغم من أهميتها و تأثيرها الكبير تبقى ضمن القراءات الآنية لنتائج معركة غيرت وجه و شكل و مضمون الصراع، ليس فقط في اختراق الوعي الشعبي و الجماهيري، بحيث أصبح الأطفال في سن الثامنة و ما دون يعرفون تاريخ فلسطين، و تاريخ الاحتلال و اجرامه و عنصريته، بل إن نتائج هذه المعركة تجاوزت كل الحدود، إلى إحداث صدمة كبيرة في الوعي السياسي و الاستراتيجي لدى الولايات المتحدة الأمريكية، و حلفائها و اتباعها، في انحاء العالم.
من يعرف تاريخ أمريكا منذ إنشائها على دماء السكان الأصليين، الهنود الحمر، يعرف ان هذه الامبراطورية قائمة على الإحتلال و السطو و سرقة و نهب خيرات الشعوب و ثرواتها، من خلال الاحتلال المباشر او من خلال النفوذ و استتباع الأنظمة.
حتى ما قبل عملية السابع من أكتوبر كانت أمريكا و الدول التي تدور في فلكها السياسي و الاقتصادي لديها نسبة عالية من الإطمئنان على مصالحها في منطقتنا، و على صحة و قوة حارس مصالحها في المنطقة و هي إسرائيل، لأنه و بالرغم من وجود كثير من الصراعات كانت ما تزال دولة الاحتلال، تُخيف و تُرعب و تسيطر و لها تأثيرها الكبير في المنطقة، و كانت قادرة ولو بالوهم على حماية مصالح امريكا التي إذا بدأت بخسارة هذه المصالح ستخسر هيمنتها السياسية و الاقتصادية على كثير من الدول، ما يعني ان ما نراه من أزمات في الكثير من بقاع الأرض سنراه في أمريكا.
أمريكا على المستوى الإستراتيجي كانت تتحسب لمثل هذه اللحظة الفاصلة في تاريخ الصراع، و حاولت منعها من خلال ضرب مراكز القوة في المنطقة، فبدأت باحتلال العراق و تدميره و حل جيشه، و تدمير سوريا، و حرب اليمن، و حصار لبنان عبر ساسته التابعين لها، و حصار الشعب الفلسطيني، و الاعتقاد ان هذه السياسات ستمنع حدوث ما حدث في السابع من أكتوبر، حين خارج المارد في قطاع غزة مدججاً بقوة التحرر و هشّم صورة الاحتلال، و ظهر العراق بقوة شعبه القادر على مقارعة الاحتلال الأمريكي و إيلامه، و برز اليمن بعد حربه الطويلة قوياً كلاعب أساسي و مؤثر على مستوى الصراع الاستراتيجي و الذي له كلمته التي يجب أن يسمعها الجميع و يصغي إليها، و بقي لبنان اللاعب الأبرز رغم ازماته و انقسامته على انه ممسك بزمام جبهته مع الاحتلال.
هذا كله جعل أمريكا و دولتها العميقة أمام حتمية إعادة النظر بكل سياساتها الخارجية، و لو انها لا تزال تُظهر الكثير من المكابرة و العناد و التمسك بخيارتها لمنع تحقيق هزيمة كاملة تلحق بالاحتلال.
إن هزيمة الاحتلال تعني سقوط حارس المصالح الأمريكي، و ليس لدى أمريكا و حلفائها و اتباعها على ما يبدو أي خطة أو فكرة أو احتمال لما بعد سقوط حارس المصالح أي دولة الاحتلال، فهذه الدول قائمة و ترسم سياساتها على أساس أن إسرائيل موجودة و هذا أمر واقع، و تحمي مصالحها، لكنها لم تضع في حساباتها مثل هذا السقوط المدوي لدولة الاحتلال، عسكرياً و سياسياً و دولياً و قانونياً أيضاً، و بالتالي افتقادها لدورها.
لذلك فإن الحرب ستطول إلى حين تتمكن أمريكا و من معها من إعادة ترتيب أوراقها و إيجاد حل أو صيغة تضمن مصالحها، و لأجل هذا فقط تعمل الإدارة الأمريكية على محاولة من اتساع رقعة الصراع، فالحرب في فلسطين، و الأزمة الكبرى في أمريكا و دول الغرب.