كيف عرفت العرب الوقت قديمًا … أدوات قياس الوقت عند العرب

إن أردت أن تعرف كم الساعة الآن فماذا ستفعل؟ لنقل أنك ستنظر في ساعة اليد خاصتك، أو في الساعة الموجودة بهاتفك، أو ساعة الحائط الموجودة في معظم غرف منزلك، أو في الساعات المنتشرة في محطات القطارات والحافلات وغيرها من الأماكن، فهناك الكثير من الوسائل التي تمكننا من معرفة الوقت طوال اليوم. لكن ماذا سيكون الوضع إن كنت تحاول معرفة الوقت قبل اختراع الساعة من الأساس!

من آلاف السنوات لم يكن هناك وجود لما يعرف في عالمنا الآن بالساعة، بل كان العرب وسكان الشرق الأوسط بصفة عامة يعتمدون على وسائل بدائية للغاية لمعرفة الوقت، قد يكون أحدها غير دقيق ولكن بعض الوسائل الأخرى كانت على درجة قريبة من الدقة. سنتحدث في مقالنا اليوم عن أشهر تلك الوسائل في تحديد الوقت وكيف كان الإنسان يستخدمها.

الساعة النقطية … الساعة الأكثر حلا بالنسبة للمكفوفين أو ضعاف البصر

الظواهر الطبيعية.

في البداية كان الإنسان يعتمد على التغيرات التي تحدث في البيئة من حوله من أجل تحديد الوقت، فيعرف من خلال شروق الشمس وغروبها وقت بدء وانقضاء النهار، ويعرف من ظهور القمر والنجوم ثم غيابهم وقت بدء وانقضاء الليل. أحداث أخرى كالفيضانات والأمطار والعواصف، وكذلك مواسم تفتح الأزهار وهجرة الطيور، كلها كانت ظواهر تتكرر باستمرار ولذلك كان الإنسان يستخدمها قديمًا في تقسيم العام وتحديد فصوله المختلفة وبناء عليها تحديد مواسم الزراعة والحصاد وصيد الطيور والحيوانات المختلفة.

الساعة الشمسية.

كانت الشمس تمثل الكثير لدى العرب قديمًا، فمع الوقت لاحظوا تغير حركتها في السماء وتغير الظلال التابعة لها على مدار اليوم، ودفعهم ذلك لمحاولة الاستعانة بها في قياس الوقت عن طريق صنع الساعة الشمسية أو ما يعرف بالمزولة. تعتبر الساعة الشمسية هي أقدم جهاز لقياس الوقت في تاريخ الإنسان، وهي عبارة عن جهاز بسيط يتكون من عصا مثبت على قاعدة مسطحة ومقسمة لخطوط تفصل القاعدة لأجزاء متساوية. عندما يسقط ضوء الشمس على العصا يظهر ظله على القاعدة المسطحة، ويتحرك ذلك الظل مع حركة الشمس في السماء طوال النهار ليعرفوا منه بشكل تقريبي وقتهم خلال اليوم.

ظهرت الساعة الشمسية من أيام الحضارة السومرية والبابلية ولكن من المعروف تاريخيًا أن أول من استطاع تصميم نظام يتم فيه تقسيم اليوم لأجزاء متساوية كل منهم مدته قريبة من الستين دقيقة هم المصريون، وذلك عن طريق مراقبة موضع الشمس نهارًا ومراقبة مواضع النجوم ليلًا باستخدام الساعة الشمسية التي أجروا عليها الكثير من التعديلات لتكون ذات دقة عالية، والمرخت هو نتيجة لأحد تلك التعديلات، فهو عبارة عن نموذج معدل من الساعة الشمسية صمم خصيصًا من أجل مراقبة حركة النجوم في السماء وبالتالي تتبع الوقت ليلًا.

الساعة المائية.

كانت متابعة حركة النجوم ليلًا أمر صعب ولا يمكن الاعتماد عليها في كل الأوقات فهناك الكثير من الأيام التي تكون السحب فيها منتشرة في السماء بكثرة لدرجة أن تغطي النجوم، ولذلك استدعت الحاجة للاستعانة بمصدر جديد يمكن تتبعه من أجل معرفة الوقت ليلًا، وهنا ظهرت الساعة المائية والتي يعتقد أن البابليين والمصريين هم أول من استخدموها. تعتمد الساعة المائية في عملها على تدفق الماء الثابت من وعاء لآخر عن طريق فتحة في قاع الوعاء الممتلئ. عندما يصل مستوى الماء لعلامة محددة في الوعاء يكون معناها مرور فترة معينة من الزمن، وكانت تلك الفترات مقسمة في الأغلب على عدد ساعات اليوم.

كانت تختلف المدة الزمنية حسب ضغط الماء المتدفق ولذلك لم تكن على قدر عالي من الدقة كما هي الساعة الشمسية وكانت تحتاج للتطوير باستمرار. لذلك فلليونانيين والرومانيين فضل كبير في تطويرها حيث أضافوا لها التروس والأجراس التي تساعد على تحسين أدائها. أحد المعوقات الأخرى والتي تؤثر على جودة قياس الوقت بالساعة المائية هي أن الماء يتجمد عند درجة حرارة صفر مئوية ولذلك وجب استبداله في الشتاء بسوائل ذات درجة تجمد أقل من أجل المحافظة على تدفق السائل خلال الساعة بسلاسة، وكان الزئبق بديل جيد حيث يتجمد عند درجة حرارة -38 تقريبًا وتم بالفعل قياس الوقت باستخدامه.

الساعة الشمعية.

كانت فكرة الساعة الشمعية بسيطة للغاية، فهي تعتمد على وضع علامات لأقسام متساوية في الطول على شمعة طويلة ثم إنارتها، وكلما ذاب جزء من الشمعة عند إحدى تلك العلامات يدل ذلك على مرور فترة محددة من الزمن وهكذا. ظلت الساعة الشمعية شائعة الاستخدام لفترات طويلة من الزمن حتى بعد اختراع الأشكال الأكثر تطورًا من أدوات قياس الوقت.

الصينيون هم أول من استخدم الساعات الشمعية ثم انتشرت بين البلاد، حتى أنها وُجدت في مصر القديمة كأداة لقياس طول اليوم، حيث كانوا يشعلون الشمعة مع شروق الشمس ويتابعون الطول التي تصل إليه مع الغروب وبالتالي يتمكنون من قياس طول النهار.

مع الوقت تطورت الساعة الشمعية حتى أنه في القرن الثاني عشر أضاف عليها العالم المسلم إسماعيل الجزري بعض التعديلات باستخدام البكرات والأوزان من أجل ترجمة مقدار احتراق الشمع إلى توقيت معين يظهر في شكل أرقام مكتوبة.

الساعة الرملية.

قد تكون الساعة الرملية هي أكثر الأشكال المألوفة بالنسبة لنا، يعتقد أنها صُنعت في القرن الثامن تقريبًا في أوروبا وبحلول القرن الرابع عشر انتشر استخدامها في كثير من بقاع العالم، فهي كانت معنية بقياس فترات معينة من الزمن كما هي الساعة الشمعية. وتعتبر الساعة الرملية مميزة عن الساعات الشمسية والمائية في صغر حجمها وبساطة صنعها ورخص ثمنها وكذلك سهولة التنقل بها من مكان لمكان وعدم تأثرها بالظروف المحيطة كما يحدث مع باقي أنواع الساعات.

تتكون الساعة الرملية من قطعتين من الزجاج مشكلتين على شكل المصابيح ومتصلتين ببعضهم عن طريق ممر ضيق، تحتوي إحدى قطعتي الزجاج على كمية من الرمال وعندما تكون تلك القطعة موجهة للأعلى تنساب الرمال منها عن طريق الممر للقطعة السفلية ببطء حتى تنتهي كمية الرمال بالكامل، وعندها تكون انقضت المدة الزمنية المحددة، وإن أردت تتبع مدة زمنية إضافية تقلب الساعة رأسًا على عقب وتبدأ من جديد حبات الرمال في المرور من أعلى لأسفل.

تطور العلم واختراع الساعة الحديثة.

وأخيرًا تم اختراع الساعة الميكانيكية في القرن الثالث عشر وبدأت تنتشر في كل مكان بالعالم على الأبراج والأديرة والكنائس، ثم اختُرعت الساعة البندولية في القرن السابع عشر والتي كانت أكثر دقة من الميكانيكية، وتوالت التقنيات بعد ذلك لتصل للشكل الذي نعرفه من الساعات الآن.