كيف نجح حزب الله إقليمياً ؟
بقلم العميد الركن المتقاعد محمد الحسيني
كيف نجح حزب الله إقليمياً ؟
المكان: الحدود اللبنانية الجنوبية.
الزمان: الأحد 8 أكتوبر 2023 – الساعة 7:30 صباحاً بتوقيت بيروت.
الحدث: المقاومة الإسلامية تهاجم مواقع الرادار، زبدين و رويسات العلم في مزارع شبعا المحتلة بأعداد كبيرة من قذائف المدفعية والصواريخ الموجهة…
قوات الإحتلال ترد مباشرة على مصادر النيران بعدة قذائف، وصّعدت من بعد الظهر وتيرة إعتداءاتها، في أعنف موجة من القصف المدفعي والجوي من بعد حرب 2006، ترافقت مع تحذيرات من جيش العدو ل “حزب الله” بعدم التدخّل، وإعلان المقاومة في بيان واضح وصريح أنّ ما تقوم به هو دعماً للشعب الفلسطيني وإسناداً لمقاومته وأنّ شهداءها يرتقون “شهداء على طريق القدس”. وهذا ليس الهجوم الأول ولن يكون الأخير الذي تنفذه المقاومة على مواقع العدو في مزارع شبعا المحتلة، وحتى خلف الخط الأزرق. لكن التقويم قد اختلف، إنّه تقويم “طوفان الأقصى”، هذا ما يحاول العدو فرضه على الجميع: ” قبل 7 اكتوبر ليس مثل بعده ” معلناً تقويمه الجديد للنزاع إن في قطاع غزة أو على حدوده الشمالية، حيث لجأ هناك جيش الإحتلال وللمرة الأولى منذ العام 1948 تاريخ بدء الصراع اللبناني- الإسرائيلي إلى “الدفاع الثابت” (مصطلح عسكري ) في مواجهة لبنان وتحديداً ضد المقاومة الإسلامية، فبين 8 و11 أكتوبر دفع العدو بقوات إضافية إلى حدوده الشمالية مع لبنان، فبعد أن كان قبل 8 أكتوبر يتواجد على الحدود بالفرقة 91 مشاة وأخرى إحتياط في الخلف، لجأ إلى تكتيك الدفاع الثابت بفرقتين تدافع على إمتداد الحد الأمامي (الخط الأزرق بطول 120 كم ) وبدءًا من صفر إلى عمق 10-12 كم، وأبقى على فرقة إحتياط عمليات في الخلف، فأصبحت جبهته الشمالية على الشكل التالي:
-فرقة المشاة 91 ” الجليل ” مقرها برانيت تتألف من اللواء 3 مشاة مؤلل – اللواء 8 مدرع -اللواء 300 مشاة – اللواء 769 مشاة – اللواء 7338 مدفعية – لواء لوجستي – كتيبتيْ اشارة واستعلام وسرية هندسة. وتنتشر في كل من: راس الناقورة-نهاريا-حانيتا-شلومي-أدميت-زرعيت-شتولا-مناحي-حتى أفيفم(صلحا).
-فرقة المدرعات 36 ” هآتس” وتتألف من اللواءين 1 و 6 مشاة مؤلل – اللواءين 7 و 188 مدرعات – اللواء 282 مدفعية- لواء لوجستي. وقد تم اقتطاع عدة كتائب منها لصالح جبهة غزة. وتنتشر من: يسود همهلاه-كريات شمونة-هاغو شريم-مرغليوت(هونين)-كفرجلعادي(أبل قمح)-مسغاف آم حتى مزارع شبعا.
وبتاريخ 25/12/2023 وعلى أثر اغتيال العدو للسيد رضى موسوي القائد العسكري البارز في “الحرس الثوري” في سوريا دفع بفرقة جديدة كانت بعض وحداتها تشارك بغزة إلى حدوده الشمالية وهي:
-فرقة المشاة 210 “باشان” تتألف من اللواء 9 مشاة مؤلل – اللواء 434 مدرعات – اللواءين 474 و810 مشاة -اللواء 209 مدفعية- لواء لوجستي -كتيبتي إشارة وإستعلام وسرية هندسة.
ليصبح عملياً بعد هذه التعزيزات بحجم 3 فرق على الحد الأمامي، إضافة إلى:
-فرقة المدرعات 146 ( احتياط ) عُدلت تسميتها إلى 139 وتتألف من اللواء 2 مشاة مؤلل -اللواء 4 مدرع- اللواء 205 مدرع – اللواء 226 مظلي – اللواء 213 مدفعية- لواء لوجستي – كتيبة إشارة وقد إقتطع منها عدة كتائب لصالح جبهة غزة . وجعل قيادة الجبهة الشمالية في “صفد”.
وبالتالي بلغ حجم هذه القوى:
-العديد : 120 ألفاً بين ضابط وجندي -دبابات ميركافا (مختلف الأجيال) العدد : 550
-ناقلات جند ( متنوعة) العدد: 2500 -مدفع ذاتي الحركة (مختلف) العدد: 215
-مدفع ميدان (مختلف) العدد: 100
-طائرات دون طيار : لا معلومات
-نظام صواريخ “سبايك”: لا معلومات.
-قاذفات صواريخ M 270: لا معلومات.
إضافة إلى أنّ هذه الجبهة تستنزف من العدو 50% من منظومة دفاعه الجوي، 50% من قواته البحرية، 25% من القوات الجوية وكذلك من المجهود اللوجيستي .
لكن ما هي أهدافه من “الدفاع الثابت”؟
يهدف من خلالها إلى:
1- تثبيت المقاومة بالنار ومنعها من الدخول إلى الجليل الأعلى.
2-جّرها إلى معركة إستنزاف حيث يعتبر جيش الإحتلال أن لا خبرة للمقاومة في هذا التكتيك.
3-إعتماد ” الدفاع الثابت ” لفترة زمنية محددة تبعاً للتطورات الميدانية والسياسية لينطلق بعدها إلى المرحلة الثانية وهي المهاجمة. والتي من دونها عقبات كثيرة، أهمها:
أ- التذرع بضرورة عودة آمنة للمستوطنين إلى الشمال وإستغلالهم كحجة دولية لإبعاد المقاومة عن الحدود غير مجدية، للإسباب التالية:
أولاً- خطته بإلاختباء أو إطلاق النار من منازل المستوطنين بهدف جرّ المقاومة إلى قصفها وتسويقها إعلامياً باتت مكشوفة .
ثانيا ً- غفل العدو أو تغافل أنّ صواريخ حزب الله قادرة على أن تطال المستوطنات في الجليل وأبعد من الجليل من مسافات قد تتخطى الأراضي اللبنانية إذا ما دعت الضرورة لذلك، وبالتالي كل الكيان المحتل غير آمن وليس الجليل فقط.
ب-مشهد ميدان اليوم مختلف عن الأمس، ففي العام 2006 هاجم العدو بفرقة مدرعة معززة بلواء غولاني لا غير، أما وبعد إستخلاصه للعبر أدرك أنّ الأنتقال إلى مرحلة المهاجمة بذات حجم قوى العام 2006 من المستحيلات حتى وإن هدّد بأن الفرقة 91 (الجليل) جاهزة للهجوم. يحتاج إلى حشد ما لا يقل عن 3 فرق برية دون الإحتياط لتحقيق غايته المنشودة في الوصول (إذا ما قُدر له هذا) إلى جنوب نهر الليطاني من القاسمية صعوداً حتى الحدود الشرقية . بإمكانه التدمير، لكن هل يستطيع السيطرة ؟ خلال مرحلة المهاجمة يتوجب عليه الإبقاء على دفاعه الثابت بحده الأدنى تحسباً لعمليات تسلل أو إلتفاف من قبل المقاومة.
ج-الخسائر الفادحة التي سببتها هجمات المقاومة التي بلغت لتاريخه حوالي 640 هجوماً منذ بدء الاشتباكات وكان لهم الأثر المادي والمعنوي:
أولاً-المادي: تدمير منظومة المراقبة والتجسس على امتداد الحدود، تدمير 30 دبابة ميركافا بمن فيها، إلحاق الضرر بالعديد من ثكناته ومواكبه الأمنية.
ثانياً-المعنوي: ومنها مقتل ما يقارب 184 ضابط وجندي وجرح ما يقارب 2460، بالإضافة إلى حالات الفرار الكبيرة في صفوف المجندين ونزوح المستوطنين مع ما يرافقه من أعباء إقتصادية وسياسية…
د- رغم خسائر المقاومة في بدايات حرب الإستنزاف هذه، إلا أنها أظهرت مرونة في التكتيكات المعتمدة عدلت بموجبها أسلوب مناورتها وفقاً لما يفرضه الميدان جعلت العدو في حالة إرباك.
هـ- إمكانات العدو في هذه المرحلة لا تسمح له بحشد قوى بهكذا حجم وجبهة غزة تضغط عليه وتستنزف قواه.
هنا تستوقفنا غزة ومشاهد جيش الإحتلال المُنهك فيها، والسؤال يطرح نفسه؟ كيف سيكون مشهد الجبهة في القطاع لو قُدر للعدو تعزيز قواته مستعيناً بألوية الشمال الفلسطيني التي ثبتها حزب الله؟ فلا هو قادر على سحبها لدعم جبهته في غزة، ولا هو قادر على إستخدامها لاجتياح جنوب لبنان.
فكيف نجح حزب الله في كل هذا ؟
الجواب في كلمة واحدة ” الصدق” حين أعلنها بصراحة: دعماً للقضية الفلسطينية وإسناداً لمقاومته، إضافة إلى نجاحه في التكتيك العملاني مهّدا له نجاحاً إستراتيجياً من خلال:
1-إعادة إحياء القضية الفلسطينية في الوجدان الإسلامي والعربي ولدى شعوب دول العالم بعد أن هـُمشت في الإعلام الدولي خلال السنوات الماضية .
2-كبح جماح بعض الدول العربية (ولو مرحلياً) المتجهة نحو التطبيع في مواجهة محور الممانعة الذي أثبت صوابية أهدافه.
3- إستقطاب دعم الشارعين العربي والإسلامي من جديد الذي كاد أن يفقده نسبياً خلال الحرب على سوريا.
4- تكريس الإقرار به كلاعب إقليمي دخل معترك النزاعات الدولية في المنطقة من بوابة الصراع مع الكيان المحتل.
5-إجهاض الأفكار السوداء حول دخول حزب الله في “دوامة” ترسيم الحدود البرية بعد إنجاز ترسيم الحدود البحرية بإملاءات أمريكية، وما يؤكد ذلك التذكير في سطور بياناته اليومية بأبعد من مزارع شبعا أي بالقرى السبع المحتلة ( تربيخا – صلحا- المالكية- النبي يوشع- قَدَس – هونين- ابل قمح).
6-عدم الإكتراث للحملات الإعلامية لجهة تحميله مسؤولية تدهور الأوضاع في لبنان سيما بعد 17 أكتوبر .
7-تأكيد المؤكد أنّ سلاحه أولاً وثانياً وثالثاً لحماية لبنان من الإعتداءات الصهيونية والإرهابية ودعماً للقضية الفلسطينية.
فهل ينجح أيضاً بإستعادة الأراضي اللبنانية المحتلة من مزارع شبعا إلى القرى السبع؟ وهل سيستطيع مع قوى الممانعة إستعادة الحقوق الفلسطينية حيث فشل الآخرون؟