Uncategorized

طوفان النصر والكرامة.. بقلم عبد الرحيم أحمد 

 

الهزيمة المدوية التي مُني بها الكيان الإسرائيلي المحتل بكل مؤسساته وتنظيماته وأجهزته الاستخباراتية وجيشه الذي يتباهي بقوته خلال الساعات الأولى من عملية طوفان الأقصى فجر السابع من تشرين الأول، مازالت تزلزل الكيان وترعب مستوطنيه الذين توزعوا بين مسرعٍ إلى المطارات ومهرولٍ إلى الملاجئ.

الدليل على ذلك إن جبهة الشمال الفلسطيني مع لبنان تعيش حالة رعب حقيقي من احتمال دخول حزب الله المعركة، وقد عاشت الجبهة الشمالية حالة ذعر كبيرة مساء الأربعاء 11 تشرين الأول عندما دوت صافرات الإنذار للاشتباه بدخول طائرات مسيرة أو طائرات شراعية على شاكلة الطيران الذي اخترق السياج المحصن حول غزة واستطاع المقاومون من خلاله السيطرة على عدة مواقع عسكرية لجيش الاحتلال وعدة مستعمرات قرب القطاع.

فبمجرد انتشار خبر عن عبور طائرات مسيرة مساء الأربعاء من جنوب لبنان باتجاه فلسطين المحتلة انطلقت صفارات الإنذار وهرب المستوطنون إلى المخابئ وتم إخلاء عدد من المستعمرات وتم الحديث عن اشتباكات.

لكن كل ذلك لم يكن سوى في خيال المستوطنين وقادتهم العسكريين، أو ربما بسبب “طيور مهاجرة” أطلقها حزب الله (كما قيل)، أو حرب سبرانية تم خلالها استخدام تقنية “الهولوغرام” من قبل الحزب لإيهام العدو بعبور طائرات مسيرة وطائرات شراعية واستطاع من خلالها إرباك الجبهة الشمالية وترهيب جيش الاحتلال ومستوطنيه!!

حالة الذعر هذه لن يتعافى منها مستوطنو الاحتلال وجيشه وسوف تكون سبباً في تزاحمهم على بوابات المطارات باتجاه أوروبا والولايات المتحدة، ولم ينجو منها رئيس حكومة سابق أو وزير تم رصدهم في المطارات يغادرون الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى الدول التي جاؤوا منها غزاة مُحتلين.

معركة طوفان الأقصى هي معركة مباركة على طريق تحرير فلسطين، وهي قمة معارك العزة والكرامة لأنها جاءت من قطاعِ محاصر ومعزول عن العالم من جهاته كافة براً وبحراً وجواً، ورغم ذلك استطاعت المقاومة أن تهزم العدو وتصيب جيش الاحتلال بالشلل والغياب عن الوعي وأن تقهر ما يُصنّف على أنه أقوى جيش في المنطقة، وألحقت به الهزيمة والذل والعار.

طوفان الأقصى أعاد وهج القضية الفلسطينية إلى ذروتها بعدما حاول الاحتلال وأنظمة التطبيع والبيع تصفية القضية ومسحها من الذاكرة الجمعية للشعوب العربية والعالم ولاسيما في ظل تفجر الصراعات والحروب في مناطق أخرى من العالم.

فبعد أن حوّل العدو الإسرائيلي ومعه الولايات المتحدة وأدواتها في المنطقة الصراع مع المحتل الإسرائيلي من صراع وجود إلى صراعٍ على معابر ومستوطنات، وحوّل الحقوق الفلسطينية إلى صدقات اقتصادية ومعونات مالية، جاء الطوفان ليكنس جبل الكذب والنفاق وليظهر حقيقة أن “إسرائيل” هي العدو الوجودي للعرب دولاً وشعوباً، وعدو الإنسانية جمعاء وأن الصراع معها صراع وجود.

تهديدات رئيس وزراء العدو بأنه سيمسح غزة عن الوجود في رده على معركة طوفان الأقصى، ليست إلاّ تعبيراً واضحاً عن حجم السقوط المدوي الذي أصاب جيش الاحتلال، ولن تؤثر في إرادة الشعب الفلسطيني الذي يعلم علم اليقين أنه سيدفع في كل معركة ضد الكيان المحتل ثمناً باهظاً على مستوى الدماء والدمار.

لكن مسار التحرير والانتصار هذا لا يأتي عبر السلام المزعوم الذي ظهرت نتائجه بعد 30 عاماً من أوسلو مزيداً من جرائم المحتل من الاستيطان والقتل والقهر والأسر والسجون الذي حوّل الضفة الغربية وقطاع غزة إلى سجون بشرية لا تستطيع التنفس إلا عبر الاحتلال.

يعلم العدو أن ما أنجزته معركة طوفان الأقصى في يومها الأول بل وفي ساعاتها الأولى هو مقدمة للطوفان الأكبر الذي سيزيل رجس الاحتلال ويستعيد فلسطينية الأرض ويعيد الحقوق المغتصبة لأصحابها الشرعيين في فلسطين والجولان وجنوب لبنان.

لكنه لا يعي أن الإمعان في ممارسة التدمير والقتل والظلم ضد الشعب الفلسطيني سواء في غزة أم في الضفة الغربية والقدس لن ينتج سوى قوافل من المقاومين الأشداء الذين حفروا بالملعقة نفقاً للحرية من معتقلات الاحتلال وأنفاقاً للحياة تحت رمال غزة.

فماذا ينتظر العالم من شعب فلسطين الذي يعلم أن الموت على يد المحتل قائم في كل لحظة كما قالت والدة “عهد التميمي”، “إن بقينا في بيوتنا فربما نموت حرقاً، وإن خرج طفلي للمسجد قد يموت حرقاً فلماذا لا نخرج ونقاوم الاحتلال إذن؟”.

وما كتبه البطل “عدي التميمي” قبل استشهاده يعبّر عن ثقافة وإيمان المقاومين “أعلم أني سأستشهد عاجلاً أم آجلاً، وأعلم أني لم أحرر فلسطين بالعملية، ولكن نفذتها وأنا أضع هدفاً أمامي، أن تحرك العملية المئات من الشباب ليحملوا البندقية بعدي”.

هذا هو الإيمان الراسخ بالنصر الذي يتوارثه الفلسطينيون من أب وأم، وهذا الإيمان هو الذي فجّر طوفان الأقصى وجعله هادراً كاسحاً للعدو ونخبة قواته المنتشرة على طول قطاع غزة ممرغاً أنوفهم بالتراب جاراً خلفه كبار ضباطه أسرى أذلاء.

لقد اثبت الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع والقدس وعلى كل شبر من أرض فلسطين أن قضيته محقة وأنه صاحب حق في أرضه ولن يقايضها بالمعونات والصدقات الاقتصادية التي تتكرم بها الدول الأوروبية ودول الخليج، وأنه لا حلّ لمشاكل المنطقة بدون حل القضية الفلسطينية واستعادة الشعب الفلسطيني حقوقه وإقامة دولته المستقلة على أرض فلسطين التاريخية التي يحاول الاحتلال مسحها من خريطة العالم.

لذلك فإن المطلوب من الدول العربية اليوم إن لم تستطع مساندة الشعب الفلسطيني، ألاّ تقايض على دماء هذا الشعب لأن التاريخ سيسجل أن دولاً عربية قايضت دماء الشهداء بثناءات من البيت الأبيض، فلا تقفوا في صف المعتدي، وكل ما يريده الشعب الفلسطيني الدعم المعنوي والموقف الرافض لجرائم الاحتلال وهو يتكفل بالعدو مستنداً إلى دول محور المقاومة التي ما تخلّت عنه يوماً ولا فرّطت بحقوقه أبداً.

عبد الرحيم أحمد – كليك نيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى