متى يتوهم الشبان أن درب تعاطي المخدرات هو درب السعادة ؟!
بقلم / د. عبادة دعدوش
في ظلِّ الظروف المعيشية الصعبة التي تُعاني منها أغلب شعوب البلدان العربية اليوم، يواجه الشباب صراعاً داخلياً كبيراً يعكس مدى قدرتهم على مقاومة الواقع السيء من تفشي البطالة وتدني الأجور، مع الصمود في وجه الغلاء الفاحش، وعدم توفر ظروف المعيشة الكريمة التي تُعتبر من أبسط حقوق الإنسان.
وباعتبار أن الشباب هم الطاقة الكامنة في المجتمع، بات شبابنا اليوم يسعون بشكل حثيث ويبحثون عن الاستقرار من خلال السفر والهجرة، وبعض من يفشل من هؤلاء في تحقيق غايته يلجأ للهروب من قسوة الواقع بتعاطي المخدرات التي ربما تحقق لهم بعض النشوة الآنية الكاذبة التي لم ينالوها في حياتهم، محاولين تناسي ما هم فيه من إحباط وفشل.
الأمر الذي يجب أن ينتبه إليه شبابنا أن المخدرات لايمكن أن تكون حلا أو ملاذا إنها متاهة جديدة يقعون فيها فتزيد الطين بلّة وليس لها أي أثر إيجابي على المتعاطي .
لماذا يذهب شبابنا باتجاه المخدرات ؟!
للإجابة عن هذا السؤال، يجب علينا أن نعلم أسباب تعاطي الشباب للمخدرات بكل أنواعها، وتأثير المخدرات عليهم وعلى ومستقبلهم ومحيطهم الاجتماعي.
إن الكثير من شبابنا اليوم ليس لديهم معرفة بقدراتهم ومهاراتهم، وليس لديهم أهداف واضحة لحياتهم، فالأغلبية منهم يسيرون في الحياة دونما خطة أو رؤية واضحة للمستقبل (سياسة القطيع)، وبهذه السياسة لن يكون لحياتهم أي معنى، فالإنسان الواعي لذاته والمُمتلك لأهداف واضحة ومُحدّدة لمستقبله هو الإنسان الفاعل الحي في المجتمع، وأما ذاك الذي لا يمتلك أهدافاً ومعرفة بمهاراته وقدراته ومكانه في الحياة ودوره فيها، فهو أشبه بالميت، وهذا ما يجعله عرضة بشكل كبير للوقوع في براثن تعاطي المخدرات والإدمان عليها رغبة منه في إيجاد معنىً زائف لحياته.
لا شكَّ في أن غياب ثقافة الاستثمار في الذات، والتدريب الذاتي، عند أغلب الشباب يجعلهم يسعون للكسب السريع والبحث عن المال والشهرة بأية وسيلة، مُنقادين في ذلك وراء وهم التحوّل السريع من الواقع المرير إلى حياة الرفاهية والترف، ممّا يجعل أكثرهم يحيا في الأوهام، ويضيع وقته في التفكير بسراب لا يمكن تحقيقه بعيداً عن الواقعية، فالقاعدة الذهبية تقول: (بمقدار الاستعداد يكون الإمداد، وبمقدار العمل تكون النتيجة)، فلا يمكن لأي إنسان تغيير واقعه وحاله من دون العمل وتطوير الذات والمهارات بشكل دائم ومستمر.
ولعلَّ الانحلال الاخلاقي وعدم وجود هوية ثقافية وأخلاقية واضحة للشباب في ظلِّ الانتشار الواسع للأفكار الغريبة عن مجتمعنا، وترويجها اللامحدود عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وفي ظلِّ تداخل الثقافات وتنوعها، وسيطرة مفاهيم العولمة بكل ما تحمله من سلبيات، إلى جانب عدم استطاعة الأهل ضبط الكم الهائل من المعلومات التي يتلقاها الأبناء يومياً، أصبح من السهل جداً الترويج لكل ما هو سيّئ ومؤذٍ على أنه مفيد ويُحقّق السعادة.
المشكلة والخطورة الكبرى تكمن في تأثير المخدرات القوي على عقول شبابنا، وذلك من خلال انتشارها الواسع بين صفوفهم وفي أماكن وجودهم، واليوم بات التعاطي بين الشباب ثقافة يتباهون بها وسلوكاً علنياً لكثيرين منهم، وأصبحت سلعة يمكن إيصالها إلى أي شخص عبر شبكات الترويج ومافيات المخدرات المنتشرة بكثرة في المجتمعات العربية وعبر وسائل التواصل الاجتماعي حتى. فهل نستسلم لهذا الوباء المتفشّي من حولنا، ولمن يُخطّطون لنشره بين صفوف الشباب، أما حان الوقت للوقوف في وجهه ومحاربته بنشر الوعي بين شبابنا بالحوار الفعّال وخلق مساحات لمناقشة مشكلاتهم ومحاولة إيجاد الحلول لها بدلاً من تركهم لمصيرهم المشؤوم الذي سينعكس مباشرة على المجتمع برمته وعلى مستقبلنا جميعاً، فالأمة التي لا تملك الشباب الواعي المتعلم والمجتهد هي أمة في طريقها للموت والاندثار، ونحن أمة لا يليق بها سوى الحياة، فتعالوا نُمسك جميعاً بأيدي شبابنا لنعبر بهم نحو المستقبل المنشود، متجاوزين خطر المخدرات وخُطَطَ صانعيها وتُجّارها ومُروّجيها .