"سراديب" قلعة صيدا البرية تفتح امام الزوار قريبا
الشنرة
تتواصل فصول ترميم قلعة صيدا البرية منذ أشهر عديدة، بهبة ايطالية رصدت لها منذ سنوات وتنفيذ المديرية العامة للآثار باشراف بلدية صيدا ومجلس الانماء والاعمار، بكلفة تصل الى نحو 849 ألف دولار على ان تجري عملية الترميم على مرحلتين، الاولى تمتد لثمانية اشهر وتتضمن تنظيف مدخل القلعة والسراديب وسطح القلعة، والثانية انارتها والعمل على ايجاد مواقف لسيارات الزائرين.
تعتبر القلعة البرية واحدة من ابرز المعالم الاثرية التاريخية في المدينة الى جانب معبد أشمون، القلعة البحرية، خان الافرنج، وقد ارتبط اسمها سابقا بــ”قلعة القديس لويس” وهو ملك الفرنجة التاسع الذي قاد الحملة الصليبية السابعة، من العام 1248 إلى 1254، وأمر بترميمها نظراً لموقعها الاستراتيجي المشرف على تلة قديمة تكشف المدينة من ناحيتها الجنوبية.
الموقع والاكتشافات
تنتصب “القلعة البرية” في محلة البوابة الفوقا عند الطرف الغربي لمدينة صيدا وتقع على أجمل تل مرتفع مطل على البحر ويشرف على صيدا القديمة وضواحي المدينة من جهاتها الاربع، وفي محاذاة القلعة قصر رئيس الحكومة السابق رياض الصلح الذي جرى تحويله متحفاً وطنياً، وعلى مقربة من “حفريّة” الفرير الاثرية التي تشرف عليها بعثة المتحف البريطاني والتي تؤرخ مكتشفاتها لكل الحقبات التاريخية في صيدا والتي من المقرر ان توضع في المتحف الاثري، ويأتي ترميمها استكمالا لورشة عمل مشاريع المدينة الانمائية التي لا تهدأ وتسير بخطى تابثة، على طول شاطئها البحري بدءا من إزالة مكب النفايات، وتشغيل معمل الفرز واطلاق العمل بالمرفأ التجاري مرورا الى قلبها النابض بالحركة، من مشروع البنى التحتية وترميم بعض المواقع الأثرية المهملة، وصولا الى مشروع الضم والفرز الذي يشكل 40% من مساحة المدينة… والهدف تحقيق نهضة صيدا.
ولكن القلعة الضاربة في تاريخ صيدا قدما، عانت من اهمال مزمن كاد يمحو مجدها الاثري، وقد بلغ الاهمال ذروته مع انهيار جزء من برجها العلوي الى اسفل المنحدر الذي تقوم عليه القلعة، بعد أن تداعى جزء من اسوارها الحديدية والاسلاك الشائكة المحيطة بها، وبات بالامكان الدخول اليها بسهولة من دون رقيب او حسيب، فضلا عن اكوام الاوساخ النفايات التي تتراكم يمينا وشمالا، في حين تلقى بعض الاعمدة الاثرية ارضا بانتظار انجاز المتحف الاثري على بعد عشرات الامتار من المكان.
المرحلة الاخيرة
اليوم، تبدأ المرحلة الاخيرة لمشروع ترميمها لينفض عنها غبار النسيان والاهمال ويعيد إليها رونقها بالتأهيل والترميم، وخلق مسارات داخلها، وتأمين سلامة الزوار وتجهيزها بلوحات إرشادية، وشملت الأعمال الجارية تنظيف القلعة ثم ترميمها من الاعمدة وحجارتها ولا سيما الأجزاء التي قد تكون مهددة بالإنهيار خارجيا، أو تشكل خطرا على السلامة العامة وقد تقرر وضع كل المكتشفات الاثرية فيها في المتحف الوطني لمدينة صيدا الجاري إنشاؤه على بعد أمتار من مكانها.
جولة ميدانية
في جولة ميدانية داخل القلعة، تشعر بوضوح بحركة لا تهدأ، من بوابة المدخل الغربي الشمالي يليه سلّم بارتفاع مترين ثم سرداب غرب القلعة بطول 15 مترا، شمالا يوجد غرفة مع قوس ومن ثم تصعد عدة ادراج لتنطلق الى سطح القلعة، حيث يصادفك برج ضخم مع قناطر رائعة الجمال تتميز بالهندسة المعمارية التاريخية واثناء تجوّلك على سطحها تشاهد مدينة صيدا القديمة وقرى شرق صيدا، فترى العجائب التاريخية بين يديك.
وعندما تقف امام هذه القلعة، تشعر بالرهبة من خلال مداخلها وجدرانها التي تحكي صلابة ابناء المدينة في وجه الغزاة، خاصة ابراجها العالية وسطحها ومساحتها التي تطل على مدينة صيدا، وهي على علاقة مع القلعة البحرية حيث تشكلان معا مشهديّة استراتيجية ونقطتي بداية ونهاية لسورها القديم.
الهدف حماية الارث
يقول رئيس بلدية صيدا المهندس محمد السعودي، ان “الأعمال الجارية لتأهيل وصيانة القلعة البرية تمهيدا لإفتتاحها أمام المواطنين، هو إنجاز جديد نزفه لصيدا وأهلها قريبا، من شأنه أن يسهم في تنشيط الحركة السياحية والثقافية”، ويكشف السعودي في حديث لـ”النشرة” أن أسرار القلعة وسراديبها الدفينة وتاريخها العريق ستفتح للمرة الأولى أمام المواطنين، فالجميع كان يشاهد القلعة البرية من خارج السور دون أن يكون الدخول إليها متاحا بسببب ظروف متعددة، واليوم سيصبح بالإمكان، بعد إنتهاء أعمال التأهيل والصيانة، الدخول إليها ومشاهدة معالمها الخارجية والداخلية غير المعروفة.
ويشير السعودي “أن هذه الأعمال تأتي في إطار مشروع حماية الإرث الثقافي لمدينة صيدا، ويشمل الممر السياحي الممتد من قلعة صيدا البحرية مرورا بالشاكرية ومتحف الصابون “عودة” وصولا إلى القلعة البرية، وغيرها من المعالم التراثية والسياحية في صيدا القديمة”.
الخبير الايطالي
ويؤكد الخبير الإيطالي المشرف في القلعة رينزو بوزي، ان الأعمال تتركز لإبراز هذه القلعة ومعالمها التاريخية الهامّة، ويتم تنظيف الحجارة والأعمدة وكافة المعالم والمكان وسيتم إعداد دراسة متخصصة حول ما يمكن إكتشافه وله علاقة بتاريخ القلعة وما مر بها من حقبات مختلفة.
ويضيف في حديث لـ”النشرة”: “على السكان والإدارات المعنية أن تواصل إهتمامها بالقلعة ونظافتها لأنها تشكل إرثًا هاما ينبغي المحافظة عليه على الدوام”، مشيرا الى أن القلعة البرية تعرف باسم قلعة المعز، نسبة إلى المعز الدين الله الفاطمي الذي أعاد تحصينها وترميمها، نظراً الى أهمية موقعها، ولأنها كانت قائمة مكان قلعة اخرى، ومن ثم عرفت خلال حقبة أخرى بـقلعة سان لويس التاسع ملك الافرنج الذي قاد الحملة الصليبية السابعة من عام 1248 إلى 1254، وأمر بترميمها خلال مدة بقائه على رأس حملته متنقلا بين عكا وصيدا كما أمر بترميم عدد كبير من القلاع وتحصينها.
بعد أن اشتهرت صيدا في قلعتها البحرية، ها هو مشروع ترميم القلعة البرية قد شارف على نهايته، فهل تنتقل الشهرة من “البحر” الى “البر”؟!.