الصبار …إلى اين ؟
عدنان طباجة
تحتل زراعة الصبّار التي ورثها أهالي بلدة عبّا (النبطية)، عن أجدادهم وآبائهم، مساحات واسعة من حقولهم البعلية والجبلية الصخرية، مما جعل من الصبّار “العباوي”، لا سيما “البراوي” الذي يعيش في البريّة، صباراً مميزاً بنكهته الطيبة وطعمه اللذيذ. لكن أكثر من خمسة وتسعين في المائة، من هذه الأشجار، يبست كلياً. ولم تعد تحمل الثمار مطلقاٌ، خلال السنوات الخمس الماضية، بسبب مرض “المنّ القطني”، أو “الحشرة القرمزية”، الذي أصابها، في ظاهرة لم يعهدها المزارعون من قبل، مما أصابهم بخسائرفادحة، لاقبل لهم على تحملها، في ظل ظروفهم المعيشية والإقتصادية الصعبة، بعد أن تحولت شجرة الصبّار إلى ملجأ لمئات العائلات من أهالي البلدة، إلى جانب شجرة الزيتون، نظراً لوفرة إنتاجهما وانخفاض كلفتهما وسهولة العمل فيهما، مقارنة مع زراعة التبغ، التي على الرغم من أسعارها المدعومة من قبل الدولة، لكنها زراعة صعبة، تتطلب العمل على مدار السنة، فيما إنتاجها لا يوازي كلفة العمل فيها. في حين يعمل المزارعون في موسم الصبّار والزيتون، أثناء موسم الإنتاج فقط.
زُرعت أشجار الصبّار بكثافة في عبّا، منذ عقود كثيرة، بهدف تسييج الكروم المثمرة والحقول الزراعية. ولحماية ثمارها من الحيوانات البرية والعابثين والمتطفلين، من خلال أشواكها المدببة كالإبر، التي قامت بواجبها المطلوب. وكانت بديلاً عن السياجات المعدنية الشائكة، التي لم تكن موجودة في ذلك الحين. وإذا وجدت، فإنها كانت باهظة الثمن ولا يستعملها سوى الميسورين من المزارعين والأهالي.
ومن أسباب تفوّق شجرة الصبّار على الزراعات الأخرى، في البلدة، أن إنتاجها يبدأ بعمر ثلاث سنوات وينتج الدونم الواحد منها، حوالى 200 كلغ. يبدأ قطافها، في بداية شهر تموز وينتهي في بداية شهر أيلول. كما أنها تعطي دون مقابل. وهي تعمر طويلاً كشجرة الزيتون. يحتوي الصبّار على مختلف الفيتامينات والمقويات والمنشطات، كما يفيد المختصون. وله فوائد عديدة للجسم، من بينها: معالجة الضعف الجنسي والسعال، تنظيف المعدة من الديدان والطفيليات، إذا تم تناوله باعتدال، في حين قد يؤدي إلى الإمساك، في حال الإفراط في ذلك، كما يستعمل في صناعة المربيات والحلويات والبوظة و”الشامبو” والمنظفات المنزلية والصناعية.
يأسف رئيس بلدية عبّا، محمد عميص، لفشل الإجراءات التي قامت بها البلدية، بالتعاون مع وزارة الزراعة والمزارعين، لمكافحة مرض المنّ القطني عنداكتشافه قبل خمس سنوات، من خلال رشّ الأشجار بالدواء اللازم. لكن هذا المرض، كان قد تمكن من التغلغل والإنتشار في جذوع الأشجار، قبل ذلك بسنوات عدة، بحيث لم يقو الدواء على قتل الحشرة، في الوقت المناسب. إلى أن قضى على معظم زراعة الصبّار في البلدة والمنطقة، تباعاً، حارماً الأهالي من موارد مادية لا يستهان بها.
ويشير عميص، إلى أن البلدية كانت قد أرسلت في وقت سابق، صوراً وعينات عن المرض إلى وزارة الزراعة، التي بدورها، أرسلت أحد المهندسين الزراعيين إلى البلدة، فقام بمعاينة نخبة من الأشجار المريضة. ونظم المهندس المذكور، دورات إرشادية عديدة للمزراعين، تضمنت إرشادات عن كيفية مكافحة المرض، من خلال رشه بالمبيد الزراعي اللازم، الذي أرسلته وزارة الزراعة إلى البلدية، في وقتٍ سابق؛ ووزعته على المزارعين. لكن كل هذه الإجراءات، لم تفلح في القضاء على هذا المرض، الذي شكل كارثة للمزارعين.
ويأمل عميص بإعاد ة الحياة مجدداً لزراعة الصبّار في عبّا، بالتعاون مع البلدية ووزارة الزراعة ومؤسسة جهاد البناء والأهالي، من خلال مشروع زراعة مشاتل لأغراس الصبّار، بوشر العمل به منذ حوالى سنتين، حيث ستوزع الشتول على المزارعين، لإعادة غرسها مكان الأشجار اليابسة. علماً أن الأغراسالمذكورة، ستعطي ثمارها بعد ثلاث سنوات على زراعتها. ومن خلالها، سيعوّض المزارعون عن الخسارة التي حلت بهم، جراء يباس مواسمهم السابقة.
ويوضح المهندس الزراعي وليد جابر، أن الحشرة القرمزية المسببة لمرض المن القطني، تتغذى على ألواح الصبّار السميكة وتمتصّ عصارتها، مما يؤدي إلى جفافها واصفرارها وتلفها. وقد تتطورالإصابة إلى إتلاف الشجرة كلياً وهذا ماحصل. ويشير إلى أن سبب ظهور هذه الحشرة، يعود إلى عوامل وأسباب عديدة، منها: فقدان العدو الطبيعي لها، أو تقلّص عدده وهو من صنف الدبابير، لكن حجمه أصغر بكثير. كما أن استخدام الأدوية اللاّزمة، مع الزيت الصيفي المعدني الفعّال لمكافحة هذه الحشرة، لم يعطِ النتائج المطلوبة، خلال الأعوام الماضية، بسبب الأخطاء التي ارتكبها المزارعون أثناء الاستعمال، في غياب فريق الإختصاصيين الذي كان عليه مواكبتهم.
ويلفت جابر، إلى أنه كان من المفترض البدء بمكافحة الحشرة القرمزية، عند اكتشافها قبل سنوات، من خلال طريقة الرش، المصحوبة بضغط الماء القوي، للتخلص من أكبر قدر ممكن من الحشرات. ثم يعاد الرش بطريقة التبخير، بعد حوالى أسبوعين. لكن لم يحصل أي شيئ من هذا القبيل، مما ساهم في استفحال المرض وانتشاره بين الأشجار والثمار، على نطاق واسع، إلى أن تمكن من القضاء عليها.
أسباب مرض الحشرة القرمزية، ما تزال غير معروفة. قد تكون نتيجة عوامل مناخية أو بيئية أو وبائية، بحسب رئيس مصلحة الزراعة في النبطية، المهندس هادي مكي. الذي يلفت إلى أن المصلحة سبق أن وزعت كميات من دواء “الزيت المعدني Damoil” المقاوم لهذا المرض، على البلديات. التي بدورها، وزعتها على مزارعي الصبّار لرش مواسمهم بواسطتها، خلال الأعوام الماضية.
وينصح مكي المزارعين، باستئصال، أو حرق الصبّار اليابس، بسبب المرض، لكي تتم إعادة معالجته بالزيت المعدني، بعد تفريخه مجدداً. مبيناً أن من أسباب تفشي المرض، صعوبة الوصول إلى المناطق الجغرافية الموجودة فيها أشجار الصبّار، لوعورة المسالك المؤدية إليها
ويرى المزارع محمد معلم، أن مزارعي بلدة عبّا يعتمدون اعتماداً كلياً، على زراعة الصبّار، الذي بات إنتاجه منقذاً لهم، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها القطاع الزراعي، إلى جانب زراعة الزيتون. ويشير إلى تراجع زراعة التبغ، التي كانت تعتبر الزراعة الأساسية لهم، على مدار السنين. لكنها وصلت الآن، إلى حد الإنقراض، بعد أن تفوقت عليها زراعة الصبّار والزيتون، لإنتاجهما الوافر وقلّة كلفتهما المادية، على العكس تماماً من زراعة التبغ. ويطالب بالتعويض على مزارعي الصبّار، عن الخسائر التي أصابتهم، باعتبار أن الوباء الذي حلّ بزراعتهم، يصنّف في عداد الكوارث الطبيعية، كالزلازل والفيضانات التي تستدعي التعويض عليها.
ويقدّرالمزارع إسماعيل ترحيني، الإنتاج السنوي للبلدة من الصبّار، بمئات الأطنان، التي يبلغ ثمنها عشرات آلآف الدولارات، التي خسرها المزارعون في غضون السنوات الماضية، حيث كان متوسط دخل كل مزارع، حوالى خمسة آلاف دولار أميركي. وكان الإنتاج يباع في الأسواق المحلية وأسواق الجملة. ويتراوح سعر كل مائة حبة منه، بين سبعة إلى عشرة آلاف ليرة، في البلدة. بينما تباع بعشرين ألف ليرة، في الأسواق المحلية. كما تباع جملة، في أسواق النبطية وصيدا وبيروت ومختلف المناطق اللبنانية الأخرى.