محليات

الملف الكامل: حقائق وفضائح بالجملة v/s Inkript هيئة السَير: لِمَن الكلمة الفصل؟

كارين عبد النور – نداء الوطن
ملف شركة Inkript يعود إلى الواجهة. لا بل هو لم يغادرها أصلاً. وهذا بعد أن قرّرت الأخيرة إيقاف نظام التشغيل الخاص بـ»النافعة» منتصف الشهر الحالي من دون سابق إنذار، بحجة عدم تسديد الدولة اللبنانية مستحقاتها المالية. والنتيجة تعطيل معاملات المواطنين على كافة الأراضي اللبنانية. حلقة جديدة تُضاف إلى مسلسل مخالفات الشركة الخاصة المشغلّة للخدمات لدى هيئة إدارة السير – كما يرى المتابعون – في ظلّ سُبات رسمي لافت. لكن Inkript قرّرت أيضاً الخروج عن صمتها عبر حديث خاص لـ»نداء الوطن». فإلى التفاصيل.

ليست هذه المرّة الأولى التي نثير فيها العديد من التساؤلات حول شرعية عمل Inkript والطريقة التي تمّ فيها إجراء المناقصة التي بُنيت على دفتر شروط من دون توقيع عقد مع هيئة إدارة السير، بحسب ما أشيع يومها. هذا إضافة إلى استمرارها في «احتلال» المرفق العام رغم انتهاء مدة عملها، كما مصير داتا اللبنانيين التي بحوزتها وكيفية إدخال اللوحات عبر المرفأ وغيرها الكثير الكثير من الشوائب والبنود التي طُرحت وما زالت سلسلة من علامات الاستفهام تدور حولها. رئيس نقابة مدارس السوق في لبنان، حسين غندور، سبق وأن فتح هذه الملفات على مصاريعها، فماذا تقول إدارة الشركة وكيف تردّ على الاتهامات؟

قرار ديوان المحاسبة

قرار مجلس شورى الدولة – إبراز العقد

دفتر شروط بدلاً من العقد

طباعة أو برمجة؟

البداية مع طبيعة عمل Inkript التي هي، كما يُشار إليها، شركة طباعة للبطاقات الآمنة حصراً، ما يعني أنها تعاونت مع شركة أخرى لتولّي أعمال البرمجة وتكنولوجيا المعلومات. عن هذا نسمع من إدارة الشركة أن مجموعة Inkript تأسّست عام 1973 بدايةً كشركة تُعنى بالطباعة الآمنة. لكنها قامت مذّاك بتصنيع المنتجات وتنفيذ المشاريع في القطاعَين العام والخاص فتطوّرت أعمالها لتُصبح Inkript مجموعة إقليمية وعالمية تُقدّم حلولاً آمنة تتماشى مع التطوّر التكنولوجي. وقد توصّلت إلى تطوير الحلول والبرامج البيومترية (Biometric Solutions) عوض حصر نشاطها بتمثيل شركات أجنبية رائدة في هذا المجال.

وبحسب الإدارة، فإن شركة Inkript Identification Technologies SAL المعنيّة بتنفيذ مشروع هيئة إدارة السير والآليات والمركبات، والمسجّلة أصولاً في السجل التجاري في بيروت، تُعنى، وفقاً لنظام الشركة، بمسائل تكنولوجيا المعلومات والطباعة الآمنة لا سيّما، ودون الحصر: «تطوير وبرمجة وإدارة وتسويق أنظمة وخدمات وتجهيزات المعلوماتية خاصة برامج وقواعد البيانات والتجهيزات اللازمة لتسجيل وتعريف وتحديد الهوية الإلكترونية و/أو البيومترية. كذلك أنظمة مطابقة البصمات والبيانات البيومترية، أنظمة طباعة وتخصيص وتحقّق ومقارنة مستندات تعريف الأشخاص أو الأصول، إضافة إلى أنظمة وتجهيزات برمجة البطاقات الذكية ومستندات التعريف الإلكترونية و/أو البيومترية». مع الإشارة إلى أن لشركةInkript Identification Technologies SAL شركات شقيقة ضمن مجموعة Inkript تُعنى بالطباعة.

موجود… غير موجود

جيّد. فلننتقل إلى «اللغز» الأبرز المتمحور حول صحة عدم وجود عقد ينظّم العمل بين هيئة إدارة السير والشركة. فكما يقول غندور لـ»نداء الوطن»، تمّت المناقصة بناءً على دفتر شروط لا أكثر. ويتابع: «لقد أصدر مجلس شورى الدولة قراراً طلب فيه من هيئة إدارة السير إبراز العقد، غير أنه تمّ استجلاب دفتر الشروط الذي على أساسه جرت المناقصة، ما يرجّح فرضية أن العقد غير موجود. وإن كانت الشركة تدّعي وجوده، فعليها أن تبرزه كأي مستند آخر».

فكيف تعلّق إدارة الشركة؟ «إن العقد الموقّع بين الشركة والهيئة في العام 2015 هو نتيجة مناقصة تمّ إطلاقها في العام 2014 بعد اختتام الإجراءات وفقاً للأصول، بحسب ما أكّدت المراجع المختصّة في حينه. وقد رسا المشروع على شركةInkript Identification Technologies SAL بعدما تقدّمت بالعرض الأفضل تقنياً والأدنى مالياً». وتضيف الإدارة أن شروط العقد واضحة في دفتر الشروط كما في أوامر العمل الصادرة تباعاً خلال السنوات المتتالية للمشروع، وقد جرى ذلك بناءً على استشارة هيئة التشريع والاستشارات قبل صدور أول أمر عمل من قِبَل هيئة إدارة السير والآليات والمركبات.

ثم ان السنوات الماضية شهدت عملية رصد وعقد النفقة اللازمة لكلّ أمر عمل قبل صدوره، بموجب قوانين الموازنة العامة الصادرة عن المجلس النيابي، وذلك بعد دراسة المراجع المختصّة موازنة الهيئة التي يتمّ إقرارها من قِبَل مجلس إدارتها. وهذا يؤكّد قانونية العقد القائم بين الهيئة والشركة وفقاً للأطر والأنظمة القانونية التي ترعى العقود العامة، ودوماً بحسب إدارة Inkript.

أما بالنسبة لقرار مجلس شورى الدولة، فادّعت الإدارة عدم معرفتها به طالبة المزيد من التوضيح وتحديد تاريخ ورقم القرار لغرض الإجابة. لا بأس بذلك، إذ نعيد نشر صورة القرار موضوع البحث. وفي ما خص مسألة إبراز العقد، أخيراً، اعتبرت الشركة أن الأمر لا يعود إليها إنما لهيئة إدارة السير التي يجب أن تبرزه وفقاً للقوانين المرعية الإجراء، لا سيّما تجاه المراجع المختصّة كما ضمن إطار حق الوصول إلى المعلومات (قانون 28/2017). على أي حال، لو كانت هيئة إدارة السير تملك نسخة من العقد، لكانت قدّمته إلى مجلس شورى الدولة بناءً للقرار الصادر عنه. فهل يلغي تقاذف المسؤوليات حقيقة عدم وجود العقد؟

مناقصة باطلة وغرامات

من مجلس شورى الدولة إلى ديوان المحاسبة الذي أصدر في 18/10/2022 قراراً اعتبر فيه أن المناقصة بين هيئة إدارة السير وInkript غير قانونية وباطلة، فارضاً غرامات وبنوداً جزائية طالت كلاً من مدير عام الهيئة ورئيس مصلحة تسجيل السيارات وأعضاء مجلس إدارة الهيئة. فكيف تمّ التعاطي مع هذا القرار من قِبَل إدارة الشركة؟ «لغاية تاريخه، أكّدت كافة المراجع المختصّة – والتي درست ملف عقد شركة Inkript Identification Technologies SAL مع هيئة إدارة السير والآليات والمركبات – قانونية العقد وصحة الإجراءات التي آلت إليها، وبالأخص النيابة العامة لدى ديوان المحاسبة في العام 2015. وعليه، فإن ما تشيرون إليه لا يقع في محلّه القانوني أو الواقعي، ويقتضي إفادتنا بنسخة عن القرار الذي تتطرّقون إليه». لكن ادّعاء الشركة بعدم وجود القرار مستغرب بعد أن تمّ إبلاغه مباشرة من قِبَل ديوان المحاسبة إلى مدير عام هيئة إدارة السير (المكلَّف)، محافظ بيروت القاضي مروان عبود. وقد حصلت «نداء الوطن» على القرار المؤلّف من 31 صفحة وسنقوم بعرض الصفحة الأخيرة منه. هنا يعتبر غندور أن «على النيابة العامة لدى ديوان المحاسبة التحرّك فوراً بعد ادّعاء الشركة بأن لديها إذناً ببدء العمل صادراً عنها. صحيح أن النيابة العامة لدى ديوان المحاسبة أعطت الإذن ببدء المناقصة في العام 2015، لكن حين تمّ تزويدها بالمستندات كافة، تبيّن أن المناقصة غير قانونية فأصدر ديوان المحاسبة قراره بالمخالفات المتعلّقة بالتلزيم مع معاقبة المسؤولين بالغرامات المنصوص عنها». فمن يتابع تنفيذ القرار؟

أين الداتا؟

بالنسبة للشرائح التي توضع داخل اللواصق الإلكترونية ورُخص السوق والسير، لفت غندور الى أنه يستحيل تعبئتها أو تشفيرها إلّا من قِبَل شركات أوروبية، متسائلاً إن كان لهذه الشركات علاقات وأغراض سياسية مشبوهة تضع داتا اللبنانيين في خطر. في هذا الإطار، تشير إدارة Inkript إلى تعاقد الشركة مع أطراف ثلاثة من ضمنها شركات أوروبية رائدة عالمياً في مجال التكنولوجيا الرقمية. «هذا أمر طبيعي في مشاريع مماثلة علماً أن طبيعة العقد هي توريد مستلزمات وخدمات ويتضمّن عناصر مختلفة. ومن بين الشركات التي نتعاقد معها، شركة Idemia الفرنسية (Oberthur سابقاً)، الموثوق بها من قِبَل أكثر من 600 مؤسسة حكومية و2300 مؤسسة خاصة في جميع أنحاء العالم. كما تلتزم Idemia بمعايير عالية في ما يتعلّق بالأخلاقيات وتتعاقد فقط مع الشركات التي تتمتع وتلتزم بالمعايير عينها وفق عملية تحقّق وتدقيق موسّعة»، على حدّ تعبير الشركة.

وبالعودة إلى داتا المعلومات، نسأل عن الجهة التي تمتلكها، فتجيب الشركة بأن المعلومات والداتا التي يتمّ تناولها من قِبَل هيئة إدارة السير لدى إصدار رُخص السوق ورُخص سير المركبات الآلية واللاصقات الإلكترونية ولوحات التسجيل الآمنة تبقى حصراً ملكاً للإدارة العامة، وهي موجودة على الخوادم الرئيسية (Servers) في مكاتب الهيئة. لكن المستغرب هنا أن هيئة إدارة السير نفت في تحقيقات سابقة امتلاكها داتا المعلومات أو أن يكون لديها القدرة على الاطلاع عليها مؤكّدة أنها ما زالت في عهدة الشركة. فإن لم نكن هنا بإزاء تضارب واضح في المعلومات، ماذا عساه يكون؟

على أي حال، ولطمأنة اللبنانيين حيال حماية معلوماتهم الخاصة، قامت Inkript بتوضيح كيفية تخزين المعلومات على البطاقات البيومترية مع الحفاظ على مستوى الأمان المطلوب وحماية بيانات المواطن وسرّيتها. وهذا ما يُعرف بعملية التشفير أو (Encryption) – أي عملية ترميز المعلومات بطريقة تجعلها غير قابلة للقراءة من أي جهة إلّا تلك المخوّلة بذلك والتي تتمتع بالمفاتيح التقنية اللازمة، والتي هي حصراً بحوزة الهيئة، كما تقول. فما تقوم به الشركة عند توريد البطاقات أو أي مستند يتضمّن شريحة إلكترونية، هو تقديم البطاقة دون تشخيص أو (Personalization)، وبالتالي يتمّ تشفيرها وإقفالها بعد إدخال البيانات الشخصية عليها. بعدها تقوم الشركة بما يُسمّى بـ»مراسم المفتاح» أو (Key Ceremony) بالشراكة مع المعنيّين في الإدارة. فيجري إنشاء مفاتيح التشفير باستخدام أجهزة عالية الأمان أو (Hardware Security Module – HSM) ومن خلال نظام البنية التحتية للمفتاح العام أوPublic Key Infrastructure – PKI))، وتُرسل إلى ثلاثة أطراف (لا يعرفون بعضهم البعض) في موقع الاستقبال حيث يجب أن تجتمع الأطراف الثلاثة في نفس الوقت على الـ HSM الخاص بهم مما يتيح عمليّة تعريف المفاتيح وبالتالي عمليّة التشفير.

التفاصيل التقنية كثيرة ومتشعّبة. كذلك هي التساؤلات. والإجابات يكسوها تقاذف المسؤوليات تعتيماً. فماذا عن توقّف الشركة المفاجئ عن العمل وهل مَن يحاسِب ويحاسَب في وقت ما زال فيه اللبنانيون ينتظرون «الله والفرج»؟

نكمل من حيث انتهينا قبل ثلاثة أيام مع Inkript وقصّتها ذات التشعّبات التي لا تنتهي في «النافعة». وإلى سلسلة جديدة من التساؤلات تتمحور هذه المرّة حول «جريمة» إيقاف نظام التشغيل التي أدّت إلى تعطيل عمل «النافعة» إلى أجل غير مسمّى. فمَن هي الجهة التي اتّخذت القرار وهل لهيئة إدارة السير علمٌ مسبقٌ بذلك؟ وإن كان، كما أصبح شبه مؤكّد، لا وجود لعقْد ينظّم طبيعة عمل الشركة هناك، فهل هذا هو «المسرب» المنشود أصلاً لتشريع المخالفات والتهرّب من المسؤوليات؟

استفاق اللبنانيون في الحادي عشر من تموز الماضي على قرار Inkript إقفال نظام المكننة الخاص بـ»النافعة» من دون أي مسوّغ قانوني أو سابق إنذار. ومعاملات المواطنين معطّلة منذ حينه. الحرب بين الشركة وهيئة إدارة السير مشتعلة، لا غرابة. فالأولى حمّلت الثانية مسؤولية ما حصل، كونها لم تبادر لغاية تاريخه إلى الردّ على أكثر من عشر مراسلات منذ مطلع العام 2021، فيها مطالبة بتحديد الكميات التي يقتضي توريدها ضمن إطار أمرَي العمل الصادرَين من قِبَل الهيئة في ظلّ الأزمة النقدية التي يشهدها البلد. مصادر مطّلعة أفادت «نداء الوطن» بأنه تمّ عقد العديد من الاجتماعات بين الطرفين للتباحث بالحلول الممكنة، علماً أن الهيئة وجّهت بتاريخ 2023/05/04 كتاباً إلى الشركة تطالب فيه بإيداع الكشوفات غير المسدَّدة ومعادلة الأسعار وفقاً للمرسوم رقم 13 الصادر عن مجلس الوزراء بتاريخ 2023/04/14 وذلك للنظر بكيفية سداد المستحقّات. فما الذي حصل تحديداً؟

Inkript تنكر والهيئة تؤكّد

تقول Inkript إنها تواصلت عدّة مرّات مع الهيئة من خلال مراجعات ومراسلات لتحديد الكميات وسعر الصرف وآلية التسديد للتمكّن من تنفيذ أوامر مباشرة العمل، مُعربةً عن عدم إمكانيّتها المضي في توريد المستلزمات دون تحديد الكمية من قِبَل الهيئة. «خلال هذه الفترة لم نلجأ يوماً إلى إيقاف العمل، بل عملنا دون توقّف واستوردنا المستلزمات بالحد الأدنى من دون أي مدخول، كما قمنا بتغطية مصاريف تشغيلية لا علاقة لنا بها، من أجل تأمين استمرارية المشروع»، بحسب إدارة الشركة. وأضافت أن الهيئة على عِلم بعدم إمكانية استيراد المستلزمات دون تحديد الكمية، ما يتطلّب منها وضع إطارٍ لآلية التسديد وللقيمة الموازية بالعملة الأجنبية يرعى الوضع الراهن في ظل الأزمة المالية.

لكن، بلا غرابة هنا أيضاً، للهيئة رأي آخر. فقد أكّدت مصادر مقرّبة منها أنها كانت قد ذكّرت الشركة بوجوب استكمال مباشرة العمل بالمشروع للأعوام السابقة وتسليمها الكميات الصافية المبيَّنة في الجداول المرفقة في مراسلاتها العديدة، لا سيّما تلك المذكورة في الكتاب رقم 2022/15697 بتاريخ 2022/09/14. وكلّ ذلك بهدف توفير مخزون كافٍ يؤمّن استمرارية المرفق العام. «تبلغ قيمة العقد الإجمالية الممتد على سبع سنوات 174,876,900 دولار وذلك بموجب التزام سنوي قيمته 37,648,498,000 ليرة. لقد تقاضت الشركة حتى اليوم مبلغاً يُقدَّر بحوالى 123 مليون دولار من أصل المبلغ الكلّي». وأشار المصدر عينه إلى أن الشركة امتنعت عن تطبيق المرسوم رقم 13 الصادر عن مجلس الوزراء لأن تطبيقه سيفضح أسعار التشغيل وتكلفة البرنامج وثمن اللوحات والدفاتر وغيرها. وفي حال هي أصرّت على موقفها، سيتمّ فسخ العقد والاستعانة بمختصّين متطوّعين لاستلام البرنامج وإعادة تشغيل المرفق العام.

بين الهيمنة والتحكّم

لكن نتمهل هنا قليلاً. إذ يبدو أن المتداوَل لا يشبه ما جرى «تحت الطاولة». مصدر مطّلع آخر شدّد لـ»نداء الوطن» على أن الشعرة التي قصمت ظهر البعير تمثّلت بالاتصال الذي ورد قُبيل منتصف ليل يوم الاثنين العاشر من تموز من السيّد هشام عيتاني، يطلب فيه من مدير الشركة التوقّف الفوري عن العمل. وقد جاء ذلك بعد أن قامت الهيئة، قبل أيام، بإرسال فريق من المختصّين للكشف على عمل الشركة والبدء بتسلّم مهامها.

هنا لا بدّ من التذكير بأن عيتاني هو أحد المالكين في شركة Inkript، وهو نجل النائب السابق محمد الأمين عيتاني الذي سبق أن وصل إلى البرلمان مع الوزير السابق نهاد المشنوق على متن لائحة «مستقبلية». كما نذكّر أيضاً بأن قرار ديوان المحاسبة رقم 6/ر.ق، بتاريخ 2022/07/19، اعتبر أن المناقصة التي أتت بشركة Inkript مخالفة للقانون وأساسها باطل، وما بُني على باطل فهو باطل. كما قضى القرار بمعاقبة مجلس الإدارة الذي وافق على المناقصة حينها. ورغم ذلك، واصلت الشركة عملها غير آبهة بمسألة عدم قانونية تجديد العقد.

حسناً. لكن، مجدّداً، ما مصير الداتا والمعدّات، ومن سيستلمها على وقع هذه الفوضى؟ تخبرنا الشركة بأن جميع مكوّنات المشروع ستعود للهيئة بعد انتهاء العقد وفق بنوده، أي بعد استكمال جميع أوامر مباشرة العمل وفقاً لقيمة الأخير. علماً أن مدة العقد تنتهي بعد سبع سنوات من تاريخ انتهاء فترة التأهيل (أي في أيلول المقبل) على أن يتمّ استكمال تنفيذ العقد حتى إنجاز كامل أوامر العمل.

من ناحيتها، لفتت مصادر الهيئة إلى أن دفتر الشروط فرَض على المتعهد أن يكون مسؤولاً عن تنسيق عملية التسليم وتركيب جميع مكوّنات النظام، وبالتالي تعود الملكية الفورية للمعدّات المستخدَمة إلى الهيئة. لكن، وعلى سبيل المثال لا الحصر ولتاريخه، لم يتمّ تسليم الـSource Code والـUser Guide الخاصَين ببرامج المكننة المستخدَمة في الهيئة. حتى أن كلمة السر الخاصة بالخوادم التي تُحفظ عليها كافة المعلومات هي بحوزة الشركة ولم يجرِ تسليم أي منها إلى أي موظف من ملاك الهيئة، أو حتى إلى الضبّاط المفصولين لديها. ليس هذا وحسب. فالأبواب الخاصة بالطابق الأرضي في المبنى رقم 1 في الدكوانة والمخصّص للشركة حيث تُحفظ المعلومات وتتمّ طباعة رُخص السوق والسَير واللوحات، جميعها مشفّرة ولا تُفتح إلا بموجب بصمات موظفيها. وهذا ما يمنع إدارة الهيئة من الدخول إلى هذه المنشآت، بحسب المصادر ذاتها.

التذاكي على المحاسبة

نتابع ونستفسر عن المزيد. فهل من بنود (جزائية) تسمح للشركة بإقفال جهاز المكننة في حال لم يتمّ تسديد مستحقاتها، وبهذه الطريقة المفاجئة؟ بالنسبة للشركة، لا ينطبق قانون الموجبات والعقود في هذه الحالة، إذ إننا بإزاء قانون عام يرعى تحديداً العلاقات بين الأشخاص (الطبيعيين والمعنويين) في القطاع الخاص. أما العقود العامة، فترعاها القوانين الإدارية كما المبادئ العامة التي تختصّ بتلك العقود. ولا يفوت الشركة الإشارة إلى وجود خلل في التوازن الاقتصادي للعقد الذي يؤدي إلى تطبيق نظرية الظروف الطارئة (Theorie de l’imprévision) والتي ترعى عملها وكافة الخطوات التي تتّخذها ضمن إطار القوانين المرعية الاجراء.

من جهّتها، تعلّل الهيئة أن المادة 32 من دفتر الشروط تنصّ على أنه لا يحقّ للملتزم التنازل عن التزاماته المبرمة كلياً أو جزئياً، وبأي شكل كان، إلّا بموافقة خطية مسبقة من الإدارة. كما أن الفقرة الثانية من المادة 13 تنصّ بدورها على أن تتمّ مراجعة الأسعار بنفس نسبة تغيير الحدّ الأدنى للأجور في القطاع العام وفقاً لتاريخ صدوره رسمياً. أما الفقرة الرابعة من المادة 16 فتُجبِر على دفع عوائد الضمان النهائي للإدارة كتعويض، غير حصري، عن أي خسارة تنتج عن إخفاق الملتزم في الانتهاء من التزاماته بحسب العقد، أو اقتطاع مبالغ مستحقّة للإدارة. وقد ورد في النبذة الرابعة من المادة 27 إمكانية الإدارة فسخ العقد أو جزء منه مع الملتزم من خلال مذكّرة خطية، في حال توقَّف الملتزم عن العمل لمدة 120 يوماً متتالياً، وذلك إن كان التوقّف غير ملحوظ ببرنامج الأعمال الساري المفعول ولم يصدر بذلك تعليمات من الإدارة.

الإثباتات، باعتراف المسؤولين في هيئة إدارة السير، تؤكّد أنّ الموظّفين التابعين لـ Inkript يعملون داخل أقسام الهيئة دون أي ارتباط رسمي قانوني بينهم وبين رؤساء الوحدات، إذ لا نص قانونياً يربط بينهم، وبالتالي تبقى هويّاتهم وجنسياتهم وأسماؤهم كما تحرّكاتهم مجهولة بالنسبة للهيئة. والمُخجل أكثر في هذا السياق هو عدم تحرّك اللجان النيابية – كلجنة الاتصالات ولجنة المال والموازنة ولجنة الأشغال ولجنة الدفاع والداخلية – التي غابت عن توجيه السؤال إلى وزير الداخلية حول كافة الارتكابات الحاصلة. فهل نحن أمام تورّط رسمي كبير في هذه «الجريمة»، خصوصاً وأن في سكوت القضاء والنيابات العامة عن التحقيق في قضية مدى قانونية المناقصة وداتا المعلومات وإقفال جهاز الكومبيوتر، من الاستغراب الشيء الكثير؟

المسؤولية «ضايعة»

على أي حال، رئيس نقابة مدارس السوق في لبنان، حسين غندور، تقدّم في 2022/12/14 بإخبار لدى النيابة العامة المالية باعتبار أن الشركة محتلّة لمرفق عام، مطالباً بإخراجها من مراكز هيئة إدارة السير وتحديد المسؤوليات والمخالفين ومعاقبتهم وفقاً للقوانين المرعية الإجراء. وما لبث أن ألحقه بمذكّرة بتاريخ 2023/07/20. جاء ذلك بعد أن قامت الشركة المشغّلة بإقفال البرنامج الخدماتي الذي تُقدّم عبره الخدمات وتستوفي الضرائب، باعتباره جرماً مشهوداً، خصوصاً وأن قرار ديوان المحاسبة وقرار مجلس شورى الدولة يؤكّدان أن لا وجود للعقد، وإن كان ثمة عقد فيجب أن يكون وفق أصول العقود.

سيلٌ من الأسئلة وشحّ في الإجابات. هذه هي المحصلة. فهل من يتحرّك بعد أن تضاربت الردود وغاب العقد والأصول وأُقفِل جهاز البرنامج المستخدَم؟ شللٌ فوق شللٍ ونبقى ننتظر…

إخبار لدى النيابة العامة المالية

إخبار لدى النيابة العامة المالية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى