الحرب على الجنوب مستمرة… في وجه الاحتلال والإهمال !
بقلم محمد السيد
لم تنتهِ الحرب على لبنان، ولا على الجنوب. فالعدو الإسرائيلي لا يزال يشن عدوانه المستمر على البشر والحجر، ويُمعن في استهدافه الممنهج لكل مقومات الحياة، خاصة في القرى الأمامية. البيوت الجاهزة، التي أقيمت لاحتواء من شُرّدوا من منازلهم، لم تسلم هي الأخرى من قصفه، في محاولة واضحة لمنع الأهالي من التفكير بالعودة قبل أن تتحقق أهدافه، المعلنة منها وغير المعلنة.
لكن الأخطر أن هذه الحرب لم تعد تقتصر على الاعتداءات الإسرائيلية، بل امتدت لتصبح داخلية أيضًا. من الدولة اللبنانية، ومن الجهات المعنية كافة، والتي باتت شريكة بالصمت أو بالعجز أو بالتقصير.
الجميع بات يعلم أن إعادة الإعمار ليست فقط قضية مالية، بل سياسية أيضًا. فالدولة اللبنانية، التي تعاني من عجز مالي ظاهر، لا تملك حتى اللحظة خطة واضحة أو نية جادة للبدء بإعادة الإعمار. وهي، كعادتها، تنتظر التمويل الخارجي، الذي يبدو هو الآخر مشروطًا بأجندات تبدأ من نزع السلاح ولا تنتهي عند حدود الليطاني.
أما المواطنون الذين تهدّمت بيوتهم، فهم وحدهم يدفعون الثمن، لا حول لهم ولا قوة. الدولة، بكل مكوناتها، بما فيها “الثنائي الوطني” الذي يشكّل الظهير السياسي لهذه البيئة، لم تقدّم حتى الحد الأدنى من التسهيلات لتخفيف المعاناة. ألم يكن بالإمكان، على سبيل المثال، إصدار بطاقة خاصة بالمتضررين من أصحاب البيوت المهدّمة، تتيح لهم استحصال الأوراق الثبوتية والشهادات المفقودة من دون أي رسوم، وتخولهم أيضًا إدخال مواد البناء الأساسية—كالحديد، والألمنيوم، والعوازل، والمفروشات—من دون دفع رسوم جمركية؟ هل يتطلب ذلك تمويلاً خارجياً؟ أم أن الأمر يحتاج فقط إلى قرار جريء وإرادة داخلية لمساعدة الناس على النهوض مجددًا؟
وهل من الصعب أن تسمح الدولة بإدخال سيارة بديلة لمن فقد سيارته جراء القصف، من دون أن يُفرض عليه الجمرك؟ أهذه أيضًا بحاجة إلى موافقة من الخارج؟ أم أن مساعدة المتضررين باتت ترفًا سياسيًا لا يجرؤ أحد على تبنيه؟
علماً أن فواتير الكهرباء والماء ما زالت تتراكم على أصحاب البيوت المهدّمة، وكأن الدولة لا تعترف بأن هذه المنازل لم تعد صالحة للسكن. المواطن يدفع ثمن الدمار مرتين: مرة تحت القصف، ومرة تحت الحصار الإداري والمالي.
الحرب مستمرة، نعم. والجنوب، رغم كل شيء، لا يزال واقفًا… لكنه يتساءل: من يقف معه؟