هل تُعطي إيران من أوراقها الداخلية لشراء دور إقليمي؟…بقلم محمد غزالة
بقلم محمد غزالة
بين دهاليز السياسة العلنية وكواليس الدبلوماسية السرية، يُعاد رسم مشهد الشرق الأوسط من مسقط، عاصمة سلطنة عُمان. هناك، حيث تُعقد جولات التفاوض بين الولايات المتحدة وإيران تحت عنوان «الملف النووي»، يتجاوز الحوار ما هو فني وتقني إلى ما هو جيوسياسي واستراتيجي.
فالحقيقة التي لا تغيب عن المتابعين، أن ما يجري في فلسطين ولبنان وسوريا واليمن حاضر في النقاش بقدر حضور أجهزة الطرد المركزي في منشآت نطنز.
واشنطن وطهران: أهداف متضادة ومفاوضات شاقة
لا شك أن لكل من الولايات المتحدة وإيران أجندة خاصة تسعى لتحقيقها من خلال هذه المفاوضات. واشنطن تريد ضبط البرنامج النووي الإيراني وإعادة إيران إلى بيت الطاعة الغربي، مقابل رفع جزئي للعقوبات، وربما إغراءات سياسية واقتصادية محدودة. أما طهران، فتسعى إلى تثبيت مكانتها كقوة إقليمية، والاعتراف بدورها في الملفات الكبرى، من اليمن إلى العراق، ومن لبنان إلى سوريا.
هذا التباين الحاد في الأهداف يُنذر بجولات تفاوضية شاقة وطويلة، ويجعل من الحديث عن نتائج ملموسة في المدى القريب ضربًا من التفاؤل المفرط.
إلا أن مجرد جلوس الطرفين إلى الطاولة من جديد، يُشكل بحد ذاته نقطة تحول استراتيجية في ظل احتدام الصراعات عالميًا وإقليميًا، وانكشاف الحاجة إلى ترتيبات جديدة في المنطقة.
الدور العُماني: ديبلوماسية الهدوء والنتائج
في هذا السياق، تبرز سلطنة عُمان كلاعب محوري، يتميز بالهدوء والرصانة. فالسلطنة التي نجحت مرارًا في أداء دور الوسيط بين الخصوم، تثبت مجددًا أنها منصة موثوقة للحوارات الصعبة. وقد تمكنت من جمع خصمين لا تربطهما إلا العداوة المعلنة، في مشهد يُحسب لعُمان ويعزز مكانتها كقوة ناعمة في الإقليم.
إيران وتوازن الربح والخسارة
تبقى الأسئلة الكبرى معلقة في الأفق:
هل ستكون إيران شريكًا في رسم ملامح الشرق الأوسط الجديد؟ وهل تستطيع من خلال هذه المفاوضات أن تخفف الضغوط الهائلة التي تُمارس على حلفائها في لبنان والعراق وسوريا واليمن؟
طهران تدرك أن تعزيز حضورها العالمي لا ينفصل عن دورها الإقليمي، وهي تستثمر في علاقاتها المتنامية مع تركيا وقطر، وتسعى بحذر نحو تطبيع محسوب مع السعودية. غير أن كل توسع خارجي له ثمن داخلي. وهنا يُطرح سؤال آخر:
هل تقدم إيران تنازلات داخلية مقابل نقاط خارجية؟
وهل سيكون الرأي العام الإيراني على استعداد لتحمل الأثمان؟
واشنطن… ومفاجآت الأولويات
في المقابل، فإن وضوح موقف واشنطن من أولوياتها سيكون العامل الحاسم في تحديد وجهة هذه المفاوضات. فهل تسعى الولايات المتحدة إلى تسوية شاملة تعيد ترتيب الإقليم؟ أم أنها تكتفي بصفقة محدودة تُجمّد النووي الإيراني مقابل هدوء مرحلي؟
لبنان على حافة الاحتمالات: بين مكاسب التسوية وكلفة التصعيد
في غمرة التفاوض الإقليمي والدولي، يبقى لبنان ساحة حساسة ومفتوحة على كل الاحتمالات. فنجاح المفاوضات بين واشنطن وطهران قد يشكل فرصة نادرة للبنان لالتقاط أنفاسه، عبر خفض منسوب الضغوط الخارجية، وخلق مناخ إقليمي أكثر ملاءمة للتفاهمات الداخلية، بدءًا من انتخاب رئيس للجمهورية، وصولًا إلى ترميم المؤسسات وتثبيت الاستقرار.
أما في حال فشل التفاوض، فإن لبنان سيكون من أوائل المتأثرين سلبًا، ليس فقط باعتباره ساحة صراع مستمرة، بل أيضًا كنقطة تلاقٍ بين خطوط التوتر الإقليمي.
فقد يشهد تصعيدًا سياسيًا وربما أمنيًا، سواء على الحدود أو في الداخل، في ظل تعمّق الانهيار الاقتصادي واستمرار العجز في إنتاج تسوية محلية مستقلة.
بهذا المعنى، فإن لبنان لا يملك ترف الانتظار، بل يدفع يوميًا ثمن المراوحة، في انتظار ما ستُفضي إليه طاولة مسقط.
الخلاصة
ما يجري في عُمان ليس مجرد مفاوضات تقنية، بل صراع على شكل المنطقة المقبلة. كل كلمة تُقال هناك، وكل بند يُدرج في مسودة اتفاق، سيكون له انعكاسات على الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط، وعلى مستقبل قوى المقاومة والضغط، وعلى أدوار الدول الفاعلة والمتأرجحة على حد سواء.
فالمشهد يتغير، واللعبة باتت مفتوحة على كل الاحتمالات…
والسؤال الكبير يبقى: من سيرسم حدود النفوذ؟ ومن سيقبض ثمن التسويات؟