أصبح من المتأخر منع ذلك..القطب الشمالي سيكون خاليًا من الجليد بصيف عام 2050
CNN) — لطالما أثار القطب الشمالي الشعور بالرهبة لدى البشر. والآن يُعرب العلماء عن قلقهم الشديد بشأن مستقبله، خاصة مع انسحاب إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاستراتيجية العالمية لمكافحة التغير المناخي وتقليصها لوكالاتها العلمية.
اعتُبر الشهر الماضي استثنائياً، إذ ارتفعت درجات الحرارة في أجزاء من القطب الشمالي بمقدار 20 درجة مئوية فوق المعدل الطبيعي ، بحلول نهاية الشهر، وصلت مساحة الجليد البحري إلى أدنى مستوى مسجل لها على الإطلاق لشهر فبراير/ شباط، ما يمثل الشهر الثالث على التوالي لتسجيل مستويات قياسية منخفضة.
أظهر تقرير الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، التابعة لوزارة التجارة الأمريكية، في فحصها السنوي لصحة القطب الشمالي، الذي نُشر في ديسمبر/ كانون الأول، أن المنطقة باتت تعيش في “نظام جديد”، حيث لم تعد إشارات مثل فقدان الجليد البحري وارتفاع درجات حرارة المحيط تسجل أرقامًا قياسية فحسب، بل أصبحت بشكل عام أكثر تطرفًا مقارنة بالماضي.
هذه مشكلة لها عواقب عالمية، حيث يؤدي القطب الشمالي دورًا حيويًا في تنظيم درجات الحرارة والأنظمة المناخية حول العالم. ووصفته تويلا مون، وهي نائب كبير العلماء في المركز الوطني لبيانات الثلج والجليد، بأنه “أشبه بنظام تكييف الهواء الخاص بكوكبنا”. وتراجعه يسرّع من ظاهرة الاحتباس الحراري، ويزيد من ارتفاع مستوى سطح البحر، ويساهم في حدوث المزيد من الظواهر الجوية المتطرفة.

يُعد القطب الشمالي بمثابة نظام الإنذار المبكر لتغير المناخ، حيث يُشكل فقدان الجليد البحري دليلًا واضحًا أنه في خطر ، وقال ميكا رانتاينن، وهو باحث لدى معهد الأرصاد الجوية الفنلندي: “آمل ألا تكون هذه الأشهر الثلاثة بمثابة نذير لحدوث حد أدنى جديد هذا الصيف، لأن نقطة البداية لموسم الذوبان ليست جيدة ، يصل الجليد البحري في القطب الشمالي إلى أدنى مستوياته في نهاية الصيف، تحديدًا في شهر سبتمبر/ أيلول. وخلال السنوات الـ18 الماضية، سُجلت أدنى مستويات الجليد البحري على الإطلاق، باتجاه تنازلي مستمر.
وبحسب تقرير شارك في تأليفه ديرك نوتز، وهو رئيس قسم الجليد البحري في جامعة هامبورغ، فإن القطب الشمالي سيكون خاليًا من الجليد في الصيف بحلول عام 2050، حتى لو أوقف البشر انبعاثات التلوث المناخي، إذ قال لـ CNN: “لقد أصبح من المتأخر جدًا منع حدوث ذلك” ، وبحسب دراسة أخرى نُشرت في ديسمبر/كانون الثاني، قد يحدث أول يوم خالٍ من الجليد حتى قبل نهاية هذا العقد.
ولا يقتصر تأثير فقدان الجليد البحري على الحياة البرية والنباتات وحوالي 4 ملايين شخص يعيشون في القطب الشمالي فحسب، بل له عواقب عالمية ، يعمل الجليد البحري كمرآة عملاقة تعكس ضوء الشمس بعيدًا عن الأرض وتعيده إلى الفضاء. ومع انكماشه، يمتص المحيط المظلم مزيدًا من طاقة الشمس، ما يسرّع من ارتفاع درجة حرارة الأرض ، يعود جزء من السبب وراء الانخفاض القياسي الأخير في الجليد البحري إلى الحرارة غير العادية في القطب الشمالي، حيث زادت الحرارة بمعدل يفوق أربع مرات المتوسط العالمي.
لفت رانتاينن إلى أن “الحرارة الشديدة في أوائل فبراير/ شباط كانت واحدة من أقوى موجات الدفء المسجلة على الإطلاق”، مشيرًا إلى أنها ربما كانت من بين أقوى ثلاث موجات دفء خلال عصر الأقمار الصناعية منذ السبعينيات ، تشهد المناظر الطبيعية في القطب الشمالي تغيرا أيضًا، وفقًا لما ذكرته تويلا مون من المركز الوطني لبيانات الجليد والثلوج ، وأوضحت مون أن ذوبان الجليد الدائم، وهو مزيج من التربة والصخور والرواسب التي تترابط بواسطة الجليد، يحدث على نطاق واسع، ما يؤدي إلى إطلاق ثاني أكسيد الكربون والميثان، وهما من الغازات التي تساهم في ارتفاع حرارة الكوكب.
أصبحت حرائق الغابات أكثر تكرارًا وشدة، بالإضافة إلى أن مواسم الحرائق أصبحت تدوم لفترات أطول. في العام الماضي، كانت هذه هي المرة الثالثة خلال خمس سنوات التي تندلع فيها حرائق واسعة النطاق في القطب الشمالي.

تؤدي هذه التغيرات إلى تحول جذري في النظام البيئي. وعلى مدى آلاف السنين، كانت المناظر الطبيعية للأشجار في منطقة التندرا القطبية تخزن الكربون لكن، أشارت عوامل حرائق الغابات وذوبان الجليد الدائم إلى أن هذه المنطقة تطلق الآن كميات من الكربون أكثر مما تخزنه، وفقًا للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي ، وقالت مون: “هناك كمية هائلة من التغيرات تحدث في القطب الشمالي في الوقت الحالي”.

ما يحدث في القطب الشمالي له تداعيات على الكوكب بأسره. ويعني القطب الشمالي الأكثر دفئًا أن الجليد الأرضي، مثل الأنهار الجليدية والصفائح الجليدية، يذوب بسرعة أكبر، ما يساهم في ارتفاع مستوى سطح البحر. وتفقد الطبقة الجليدية في غرينلاند بالفعل حوالي 280 مليار طن من الجليد سنويًا، وهو ما يكفي لتغطية مانهاتن بطبقة من الجليد بسماكة تقارب الميلين.
يؤدي الاحترار السريع في المنطقة أيضًا إلى إضعاف التيار النفاث، ما يغير أنظمة الطقس التي تؤثر على مليارات الأشخاص، وفقًا لما قالته جينيفر فرانسيس، وهي كبيرة العلماء لدى مركز Woodwell لأبحاث المناخ، إذ أوضحت لـ CNN أن “التيار النفاث الأكثر تموجًا يجعل الظروف الجوية تستمر لفترات أطول، ما يؤدي إلى موجات حر طويلة، وفترات برد شديدة، وجفاف، وفترات عواصف ممتدة”.
أوضح العلماء أن بعض هذه التغيرات يمكن عكسها إذا توقف البشر عن ضخ الغازات المسببة لارتفاع حرارة الكوكب، ولكن ذلك سيستغرق فترات زمنية تتراوح بين مئات وآلاف السنين. ومع ذلك، فإن العديد من هذه التغيرات لا رجعة فيها نسبيًا ، وهناك تهديد آخر أيضًا، إذ تتعرض قدرة العلماء على مراقبة التغيرات السريعة في القطب الشمالي للخطر بسبب الاضطرابات الجيوسياسية.
مع تراجع عدد الخبراء والعلماء الأمريكيين، سيُصبح من الصعب، فهم ما يحدث في وقت حرج بالنسبة للقطب الشمالي، بحسب ما ذكره نوتز من جامعة هامبورغ ، أكدّ نوتز أن ما يحدث في القطب الشمالي يُعد واحدًا من أوضح المؤشرات على “مدى قوة تأثيرنا نحن البشر في تغيير وجه كوكبنا”، إذ قال: “نحن قادرون على محو مناظر طبيعية بأكملها”.