أمن الدولة واستعادة الهيبة: تطوير وتطبيق الصلاحيات
أقرّت الحكومة الجديدة سلسلة تعيينات أمنية أمس. وعانت الدولة من الانهيار طوال المراحل السابقة ما أثّر على عمل المؤسسات. ويُنظر إلى التعيينات كبوابة لعودة ثقة المواطن بالدولة ويؤسّس لمرحلة جديدة.
كان 1998 عاماً استثنائياً. وصل العماد إميل لحود إلى سدّة الرئاسة. واشتدّت قبضة النظام الأمني اللبناني- السوري على لبنان. يومها، تطلّع الاحتلال السوري إلى أهمية جهاز الأمن العام واختار اللواء جميل السيّد على رأسه، فانتزعه من الطائفة المارونية بمباركة لحود.
قبل عام 1983، لم يكن هناك جهاز لبناني اسمه أمن دولة، ونشأ هذا الجهاز بمراسيم تطبيقية في الحرب بعد مطلب شيعي يتمثّل بضرورة أن يرأس الشيعة جهازاً أمنياً على غرار المسيحيين والسنّة، فاخترعوا جهاز أمن الدولة.
تناوب منذ عام 1984 حتى 1998 على رأس جهاز أمن الدولة كلّ من العميد مصطفى ناصر الذي تولّى المهام من كانون الأول 1984 إلى 17 شباط 1988 وخلفه اللواء الركن نبيه فرحات من 17 تشرين الثاني 1988 إلى 21 كانون الأول 1998، وبعدها ذهب المنصب إلى الكاثوليك.
بعد تبدّل الواقع السياسي نتيجة الانقلاب على حكومة الرئيس سعد الحريري عام 2011 وسيطرة «حزب اللّه» على الحياة السياسية تبدّل الواقع، وانعكس هذا الأمر على جهاز أمن الدولة، وخصوصاً خلال فترة رئاسة اللواء جورج قرعة للجهاز حيث عمل الرئيس نبيه برّي على تعطيل عمله مطالباً بصلاحيات لنائب الرئيس الشيعي موازية لصلاحيات المدير.
انتخب العماد ميشال عون رئيساً عام 2016، وعيّن العميد طوني صليبا مديراً عاماً للجهاز، لكن ما كان يرجوه البعض لم يتحقق، ولم يتمّ تطوير هذا الجهاز الحيوي.
يعرف الرئيس جوزاف عون أهمية كل جهاز وخصوصاً أمن الدولة ويريد تطبيق صلاحياته التي نصّ عليها القانون، فصلاحية هذا الجهاز لا تقلّ عن غيره إذ يتمتع بمهمة جمع المعلومات المتعلّقة بأمن الدولة الداخلي واستقصاء المعلومات الخارجية من الأجهزة. ويملك صلاحية مراقبة الأجانب بالتحري عمّا يقومون به من أعمال تمسّ بأمن الدولة ومراقبة علاقات المواطنين بالجهات الأجنبية في ما يتعلق بأمن الدولة ومكافحة التجسس والنشاط المعادي بمختلف أشكاله. ويجري التحقيقات الأولية في الأحداث التي تمسّ أمن الدولة الداخلي والخارجي بصفة ضابطة عدلية. وينسق مع باقي الجهات الأمنية ويضع التقارير الدورية لاطلاع المجلس الأعلى للدفاع على الوضع العام الأمني والسياسي ووضع المقترحات المناسبة لمجابهة الأخطار الداخلية والخارجية.
وانطلاقاً من أهمية الجهاز، وقع اختيار عون على ممثّل لبنان في اللجنة المشتركة لمراقبة وقف إطلاق النار العميد إدغار لاوندوس لقيادة الجهاز وعيّنته الحكومة بالأمس. وهذه رسالة مهمة مفادها عدم وجود جهاز أهم من الآخر، بل على الجميع العمل وفق ما ينصّ عليه القانون.
وتأتي تزكية عون للاوندوس لأنه ضابط مُطلع وهو في صلب الحدث الأمني، ومهامه ليست إدارية فقط، بل هو في لجنة مراقبة الهدنة ويتواصل مع الجميع، ما يعني عودة هذا الجهاز إلى ممارسة مهامه ومنحه الدور الذي يجب الاضطلاع به وتقديم الدعم له على غرار بقية الأجهزة، لا معاملته كجهاز درجة ثانية.
لعب أمن الدولة دوراً بارزاً في العام الماضي لضبط النزوح السوري، ونجح في هذه المهمة، وبالتالي، ووسط انشغال الجيش بالجنوب وضبط الحدود، هناك خطة لإعادة تقوية الجهاز وجعله يعمل بفعالية أكثر لأنه أساسي في تثبيت الأمن في الداخل بالتعاون مع كل الأجهزة.
من أبرز النقاط التي سيتمّ العمل عليها ضمن خطة تطوير الجهاز تأتي زيادة موازنته. فعند توافر الدعم المادي يصبح التحرّك والعمل أسهل. وسيتمّ تطويع عناصر جديدة لأنه يعاني شحاً في العديد. وكذلك سيعمل على تزويده بتكنولوجيا حديثة لممارسة مهامه بشكل احترافي. وهذه الخطة ستسلك طريقها نحو التنفيذ خصوصاً أن الأجهزة تحتاج إلى دعم، وإذا كانت المهمة الكبرى تقع على عاتق الجيش، إلّا أن العهد يضع في سُلّم أولوياته خطة لتفعيل الأجهزة، فمن دون أجهزة قوية لا استعادة لهيبة الدولة، وأمن الدولة حجر مدماك في خطة عودة الدولة.
الآن سركيس – “نداء الوطن”