لبنان لم يتبلّغ أي طلب أميركي لمفاوضات مباشرة
على الاهمية الكبيرة واللافتة التي اكتسبتها مقدمات عملية المفاوضات التي ترعاها الولايات المتحدة الأميركية بين لبنان وإسرائيل، بشراكة الأمم المتحدة وفرنسا، من أجل استكمال تنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية وانسحاب إسرائيل انسحاباً تاماً من المواقع التي لا تزال تحتلها في المنطقة الحدودية الجنوبية والشروع في التفاوض على النقاط موضع النزاع على الحدود البرية، فإن الأنظار ستتجه اليوم لترصد الدفعة الأولى من التعيينات العسكرية والأمنية التي صار في حكم المؤكد أن مجلس الوزراء سيقرها في جلسته اليوم في قصر بعبدا. وليس خافياً أن التدقيق في هذه التعيينات ينطلق من قياس المستوى الإصلاحي عليها باعتبار أن معظم القوى الداخلية والأعين الديبلوماسية ستحكم على هذه الدفعة من التعيينات من زاوية ما إذا كانت نتيجة “محاصصة” رئاسية ثلاثية أو سياسية كما كانت “العادة” غالباً، أو أن اعتبارات تتصل بطبيعة السلك العسكري والأمني حكمت الترفيعات وعامل الأهلية القيادية، وأن معايير أخرى قد تتّبع في التعيينات الإدارية والمصرفية والمالية والقضائية. ومعلوم أن اتفاقاً بين رؤساء الجمهورية ومجلس الوزراء ومجلس النواب أدى الى إنجاز التعيينات التي ستصدر اليوم دفعة واحدة وتشمل كما بات معروفا تعيين العميد الركن رودولف هيكل قائداً للجيش، العميد حسن شقير مديراً عاماً للأمن العام، العميد ادغار لاوندس مديراً عاماً لأمن الدولة، والعميد رائد عبد الله مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي. وفي إطار آخر للتعيينات أشارت معلومات أمس إلى أن تغييرات كبيرة ستحصل في تغيير المسؤوليات في مطار رفيق الحريري الدولي تقضي في أبرزها بتعيين أمين جابر رئيساً للمطار، وكمال نصر الدين مديراً عاما للطيران المدني بدلاً من فادي الحسن الذي يشغل المنصبين.
ويفترض أن يبحث مجلس الوزراء في التطورات المتصلة بملف الجنوب عقب إطلاق إسرائيل خمسة أسرى لبنانيين وانطلاق الوساطة الأميركية في التحضير لمفاوضات غير مباشرة بين لبنان وإسرائيل لاستكمال تنفيذ الالتزامات العائدة إلى اتفاق وقف النار بينهما. ولوحظ في هذا السياق أن إسرائيل سارعت غداة إطلاقها الأسرى الخمسة اللبنانيين إلى ربط مجريات المساعي لاستكمال تنفيذ اتفاق وقف النار وإطلاق مفاوضات غير مباشرة للتوصل إلى حل للنزاع البري الحدودي، إلى الحديث عن “تطبيع” مع لبنان، علماً أن الحديث عن التطبيع تكرّر أخيراً إن على ألسنة مسؤولين أميركيين وإسرائيليين وإن عبر ارتفاع التحذيرات من أطراف وجهات لبنانية وإقليمية مناهضين بقوة لأي اتجاه مماثل. وقد أعلن أمس مصدر سياسي إسرائيلي للقناة 12 الإسرائيلية، على خلفية المفاوضات التي افتتحت مع لبنان على الحدود، أن “المحادثات مع لبنان هي جزء من خطة واسعة وشاملة، وأن سياسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قد غيّرت بالفعل الشرق الأوسط، ونحن نريد أن نواصل هذا الزخم ونصل إلى التطبيع مع لبنان، وكما أن للبنان مطالبات بشأن الحدود، فإننا أيضاً لدينا مطالبات بشأن الحدود. سوف نناقش الأمور”.
وقد رحب أمس المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك بالتقارير التي تفيد بأن لبنان وإسرائيل سيبدآن محادثات تهدف إلى حل ديبلوماسي لقضايا عالقة بينهما.
لكن المعلومات المتوافرة لـ”النهار” تناولت الموضوع من زاوية أخرى، اذ تنفي تبلّغ لبنان الرسمي أي طلب أميركي من لبنان إجراء مفاوضات مباشرة، وقد نفت وزارة الخارجية هذا الأمر. وتؤكد المعلومات أن لبنان الرسمي متمسك بتطبيق القرار الدولي، وهو يعي أهمية إطلاق مسار التفاوض حول تثبيت الحدود البرية على غرار ما حصل بالنسبة إلى ترسيم الحدود البحرية، لما في ذلك من تأكيد لسيادة لبنان على أراضيه وبما يعزز موقعه في الضغط لانسحاب إسرائيل من النقاط التي لا تزال تحتلها. ولكن هذا لا يعني أن المفاوضات غير المباشرة على الحدود لن تؤدي في نهاية المطاف إلى فتح مسار التطبيع مع إسرائيل أو الذهاب إلى توقيع اتفاق سلام، ولكن لا يزال من المبكر جداً التحدث عن ذلك. وهذا يعني أن المسؤولين اللبنانيين ليسوا في وارد الرفض المطلق لهذا المسار، ولكنهم لن يسيروا بأي مقترحات أو مفاوضات في هذا الشأن قبل ضمان مصالح لبنان الاستراتيجية، وتحرير أرضه طبقاً للقرار الدولي. وحتماً لن يتم ذلك قبل أن يتضح هذا المسار مع دول الخليج، أو قبل أن يحصل نقاش داخلي حول موقع لبنان من احتمال كهذا.
المصدر: النهار