بريد القراء

“يا نصرَ الله” قصيدة بقلم الشاعر الدكتور عباس وهبي

“يا نصرَ الله”
أيها الملاكُ المقدّس تُرفرفُ كحُصنِ الشقيف
فوق النهرِ والبحرِ تُناجي الدُنى والأرجاءْ
شهرْتَ سيفَ الحقّ
مضيتَ على قارعةِ الموتِ
وعبرْتَ إلى حيثُ
الأئمةُ والأنبياءْ
خدشَتِ الأيّامُ وجهك الفضّي بأظفارِ الطغيان
لبستَ معطف الدمِ و سرْتَ على دربِ المعراجِ والإسراءْ
عُدت مُلهِماً من بين الضبابِ والدخان والنيرانِ والدمار
نثرتَ خُصُلاتِ ذلك العنفوانْ
فوق رؤوسِ السنابلْ
كي تموجَ رغمَ موجِ الجمر والصلاءْ
يا صاحبَ الوفاءْ
علوتَ… تركت طيفاً مُضيئاً ناطقاً بالحقِّ و سيرةً بيضاءْ
فقبعَ الكونُ في كُرسيّهِ مُتهالكاً
مُطلقاً زفراتٍ صفراءْ
ما أعظمَ الموتَ و ما أسعدَ الشهداءْ ….
مضيتَ و لم نصدّقْ
فصوتُك يهدرُ في كل ناحٍ
في كلِّ صباحٍ
و مساءْ
أيها الفارسُ الالهيُّ
يا قدّيساً لم تمتْ
سكنتَ في عزّةٍ
لم تبرحِ الساحاتِ
بل رُفعت إلى السماءْ سيداً ناصعاً
يُصافحُ روحَك زينبُ و الحسين
يا سيدي أنا ثائرٌ أمقتُ الجهلَ و الضغينة
و تلك الأفاعي بين الخليقة
ألعنُ تلك المصيبة
وألعنُ النكبةَ والرثاءْ
لكنني لا أفقهُ هذا الغيابْ ….
كيف تعبُرُ وتتركُ الجبالَ والوديانَ تشتعلْ
وأنت البوصلة
و أنتَ الإباءْ ؟!
لم نعهدْك طيفاً
لم نعهدْك صامتاً كأنّكً النجمُ البعيدْ
كأنّك قمرُ الصفاءْ …
إنطِق يا سيدي
هيّا أعلِنْ إلى ما بعدَ بعدَ حيفا، و ما بعدَ بعدْ سنسمو …
نرومُ العيشَ في ظلِّ الولاءْ
نرنو إلى المجدِ الساطعِ
رغمَ العواصفِ في هذا الليلِ الشجي …
ما بالك سيدي قد غدروا بكَ فانفطرَ الوجودْ
حيث شعّ بريقُ الفؤاد
حيثُ علتْ زمجرةُ رياحِ الشمسِ
تتحدّى الفناءْ؟!
ما بالك سيدي لمَ لم تبرحِ المكانْ
والله أردت الشهادة قبل أن يُعاتبك الزمان
و يسألك الله لمَ الانتظار فالخلودُ طفلُ العبور
و ليحلو اللقاءْ !
سيدي قد انكسرَ الضوءُ لكنه عاد يشعُّ
من قعرِ الوادي
من وحيٍ أرجفَ كلّ الكواكبْ
بدوتَ قوساً من نار ونورٍ و نقاءْ
وظلُّك يرفُّ بجناحين
كما رفّ ربُّ الأساطيرِ فوق اللاوجود و أطلق صحوةَ الماءْ
فدبّت النسمةُ
و كان الوجودُ و عزفتِ الريحُ نشيدَ البقاءْ …
سيأتي النصرُ من بين أكوامِ الجماجمِ والحجارةِ و صيحاتِ المعذّبين ، و دموعِ الأطفالِ و زئيرِ الدماء …
سيدي
الدنيا حالكةٌ يتيمة والمنابرُ قد أضحت ذابلةً
تفرّ كالديكِ المذبوح عند رقصِ الشمس آخر رقصةٍ أمامَ سلطانِ المساءْ …
ضجّ الدويُّ فرجفَ البحرُ
و الكونُ ماجَ والموجُ هاجَ
و الرحيلُ هبّ لاستقبالِ شُعلةِ الضياءْ
و صوتُك ما انفكّ يهدرُ من وراءِ الوجود
يا عِشقَ المحاربين
يا جذوةَ الصامدين
يا قبلةَ المقاومين
يا أيقونةَ الحق والثائرين ، يا لهفةَ العاشقين…
يا من لبّيتَ النداءْ
يا سيدي كيف أرثيك وأنت الحيُّ فينا؟!
وطيفُك يملأ الزمانَ والمكانْ
و يضجُّ في كلّ الأرجاءْ ؟!
كيف أرثيكَ و أنت نبْضٌ لا يموتُ
فهل مات موسى و المسيح
وهل مات محمدٌ وهل مات الحسين ؟!
غابوا لكنهم يُشرقون كل يوم …. يُطلّون من تواضعِ السنابلِ و خرير الأنهارِ ، و زقزقةِ عصافيرِ الإباءْ
شوقٌ يستبدُّ بنا كأنّه فرعونُ
شوقٌ يخنقهُ الفراغ
والوهمُ والذكريات و يعلنهُ الأرزُ و شتْلاتُ التبغِ و صرخاتُ هيهاتِ منّا الذلة
و ليسمعْ كلُّ الطُغاةِ كلُّ الأعداءْ :
أنّ الزمنَ ماتَ ساعاتٍ ساعاتْ … و ندمَ الزمنُ فعاد من بين ركام اللحظاتِ و حطامِ الأنواءْ
سيدي كيف تهمدُ يا بقيةَ الله
يا كوكبَ العزّةِ
كلّا لن يردينا هذا البلاءْ ..
هذه أمةٌ تحدق بها الأخطارُ
ويكثر فيها الأشرارُ
و خطايا أهلِ الدجل والتنجيمِ
و قطّاعُ الطرق وأنجاسُ العصرِ والسفهاءْ …
هذا جُبنُ من أرداكَ بأطنانٍ من نارِ و سعير
لكنك قوسُ قزحٍ يمتد من جبلِ الشيخ إلى سعسعْ إلى اليمنِ السعيدِ بلؤلؤِ النخوةِ
و ياقوتِ العزِّ
من الماءِ إلى الصحراءْ
من مارونِ الراس
إلى أعلى قمّةٍ في الوطنِ كلِّ الوطنِ العربي ….إلى النرجسِ و الريحانْ
و الياسمينِ و أحلى أنواعِ العطرِ و بين كلّ الأسماءْ
غيّبوك و جيوشٌ من نورٍ
تحتشدُ تحت عباءة أهلِ الحقّ
وطيفك شامخٌ كالنخيل
و صوتُ الله يدوّي فوق
كل الساحات …..
يا علي يا حسين يا نصرالله يا أحلى الأسماءْ يا أحلى العظماءْ ….
د. عباس وهبي
٠٩/١٠/٢٠٢٤

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى