بريد القراءثقافة وفن

الأطفال والسياسة: خطر الإعلام على الصحة النفسية والنمو السليم

 

               (الإختصاصية في الصحة النفسية الدكتورة سلام شمس الدين)

بين مؤيد ومعارض لبرنامج “ميني مافيا” الذي ظهر مؤخراً على قناة الجديد، والذي يُشرك الأطفال في مناقشات سياسية وحزبية، متجاوزاً الحدود الطبيعية  لدور الإعلام في تثقيفهم وتطوير وعيهم، حتى لو كان الهدف قد يبدو نبيلاً، إلا أنه من منطلق علم النفس والصحّة النفسية، فإن مثل هذه البرامج تحمل في طياتها مخاطر نفسية كبيرة على الأطفال. وهنا لا بد من تسليط الضوء على تلك الأضرار المحتملة  لمثل تلك الممارسات، والدعوة إلى إعادة النظر فيها.

  • الأطفال بين النضج النفسي والضغوط غير المبرّرة: يُجمع علماء النفس التنموي، على أن الأطفال يمرون بمراحل عمرية مختلفة، تتطلب دعماً نفسياً ومعرفياً يتناسب مع أعمارهم. وإن إشراكهم في نقاشات سياسية وحزبية، يعرّضهم لمستويات من التعقيد النفسي والعاطفي تفوق قدراتهم، الأمر الذي يؤدي إلى ارتباك داخلي، قد يمتد أثره إلى مراحل لاحقة من حياتهم.
  • الضغط النفسي وتأثيره على الصحة العقلية: إن ظهور الأطفال أمام الجمهور في مثل هذه البرامج، يضعهم تحت ضغط نفسي كبير، هذا الضغط المتمثّل في التوقعات العالية والخوف من الخطأ، والذي بدوره يؤدي إلى زيادة مشاعر القلق والتوتر، بل قد يؤثرعلى تقديرهم لذواتهم. لأن مثل هذه المواقف قد تجعلهم عرضة للإنتقاد والتنمّر، مما يعزز لديهم الشعور بالضعف وعدم الكفاءة.
  • التأثير السلبي على الهوّية والتكوين الشخصي: من المعروف أن مرحلة الطفولة هي الأساس الذي تُبنى عليه الهويّة النفسية والاجتماعية، لذا فإن اشراكهم في قضايا سياسية، قد يفرض عليهم تبنّي مواقف ليست بالضرورة نابعة من قناعاتهم، مما يؤدي إلى اضطراب في فهمهم لذواتهم. كما أن الإنخراط في قضايا خلافية، قد يحدث انقساما في علاقاتهم مع أقرانهم أو عائلاتهم.
  • خطر الإستغلال والتلاعب: إن الأطفال أكثر عرضة للتلاعب من قبل الكبار، سواء كان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر. وإن استخدامهم كأدوات لنقل رسائل سياسية أو حزبية، يُعدّ استغلالاً غير أخلاقي لقدراتهم وموقعهم في المجتمع.
  • الأولوية لنموهم الطبيعي: من منظورعلم النفس التنموي، يجب أن تكون الأولوية للأطفال هي النمو الطبيعي، من خلال اللعب، والتعلم، والتفاعل الاجتماعي الإيجابي. وإن إشراكهم في قضايا سياسية، يستهلك وقتهم وطاقتهم في أمور لا تتناسب مع احتياجاتهم النفسية والتنموية.
  • الجانب القانوني والأخلاقي: تُقرّ اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة، بحقّ الأطفال في الحماية من أي استغلال قد يؤثر على مصلحتهم الفضلى. لذا اشراكهم في مثل هذه البرامج، يتعارض مع هذا الحق، ويُعدّ انتهاكا لبراءتهم وحريتهم.

لذا نوصي الإعلام، بدل وضع الأطفال في مواقف ندّية حول قضايا سياسية، أن يقدّم برامج تعليمية  تثقيفية، تعزّز وعيهم بالقيم الإنسانية مثل “التسامح، والحوار والمواطنة”. وعلينا أن نعي دوماً بأن الأطفال “أمانة”، وأن حمايتهم من التعرض لمواقف قد تضر بنموهم النفسي والعاطفي، هي مسؤوليتنا جميعاً.

من هنا ندعو المؤسسات الإعلامية إلى إعادة النظر في طبيعة البرامج الموجهة للأطفال، والإلتزام بتقديم محتوى يُثري عقولهم، ويطوّر من مهاراتهم، دون المساس بسلامتهم النفسية.  كما ندعو الأهل والمجتمع  إلى رفض أي ممارسات اعلامية  تعرض الأطفال لضغوط غير مبررة، حفاظاً على مستقبلهم  ومستقبل مجتمعهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى