المجتمع اللبناني يكسر الانقسام العامودي
بقلم الحاج محمد جابر رئيس الجمعية التنظيمية لتجار النبطية والجوار,
المجتمع اللبناني يمثل نموذجاً فريداً في تجاوز الانقسامات الطائفية والسياسية، وقد أثبت على مدى السنوات مدى تماسكه وترابطه في أصعب الظروف. فالشعب اللبناني، بجميع أطيافه الدينية والمذهبية، استطاع أن يتخطى الحواجز التي حاولت أن تفرقه، وأظهر قدرة هائلة على احتضان أخيه اللبناني مهما اختلفت انتماءاته أو رؤاه السياسية. هذا التلاحم ليس مجرد شعار، بل هو واقع يتجلى في المواقف الصعبة التي مر بها لبنان، حيث تبرز القيم الإنسانية والأخلاقية إلى جانب المبادئ الدينية التي تدعو إلى المحبة والتسامح.
المشاعر التي تجمع اللبنانيين مستمدة من إرث طويل من العيش المشترك، ومن تعاليم دينية تدعو إلى التسامح والاحترام المتبادل. وعلى الرغم من وجود بعض الأصوات المتطرفة التي تدعو للكراهية والتفرقة، إلا أن هذه الأصوات لا تمثل سوى فئة ضئيلة جداً لا تتعدى 3% من المجتمع، وهي نسبة لا تقوى على تغيير طبيعة اللبنانيين المتجذرة في التلاحم والمحبة. ومع ذلك، نجد أن وسائل الإعلام التقليدية ووسائل التواصل الاجتماعي تُبرز هذه الفئة المتطرفة، مما يعطي انطباعاً خاطئاً عن حجمها وتأثيرها، بينما تتجاهل الأغلبية الساحقة التي تمثل 97% من اللبنانيين، الذين يعيشون روح التضامن يومياً ويسعون إلى بناء مجتمع قوي ومتماسك.
إن لبنان، الذي يواجه حرباً شرسة لا تراعي المواثيق الدولية والأخلاق الإنسانية، يتعرض لمؤامرات تهدف إلى زعزعة استقراره وزرع الفتنة بين أبنائه. يعمل العدو بمكرٍ شديد، مستغلاً كل الأساليب لتفريق اللبنانيين، سواء من خلال بث الشائعات أو محاولات ضرب الثقة بين لبنان وحلفائه. مثلاً، يسعى العدو إلى نشر أخبار كاذبة عن تخلي بعض الدول الداعمة عن أصدقائها في لبنان، محاولاً بذلك بث الإحباط في نفوس اللبنانيين، أو عبر إثارة النزاعات بين الحلفاء الوطنيين. هذه الأساليب ليست وليدة الصدفة، بل هي جزء من استراتيجية محكمة تهدف إلى تقويض الوحدة الوطنية وإثارة الخلافات.
ورغم ذلك، يبقى المجتمع اللبناني مدركاً لهذه المؤامرات، ويظهر وعياً كبيراً في مواجهة محاولات الفتنة. من هنا، تبرز أهمية التحقق من الأخبار قبل تصديقها، خاصة في زمن كثرت فيه الشائعات والأكاذيب. علينا أن نكون على قدر كبير من الوعي، وأن لا نسمح للأصوات الظلامية بأن تجد لها مكاناً في عقولنا أو في مجتمعنا. وما يثبت الوعي العميق للمجتمع اللبناني هو تعاليم الإمام علي (ع)، الذي قال في زمن الفتن: “اتبعوا سهام العدو، فإنها ترشدكم إلى أهل الحق”. هذه المقولة تلخص أهمية التمييز بين الحق والباطل، وبين من يسعى للخير ومن يحاول زرع الفتنة.
ومن هنا، يمكن الاستفادة من هذا التلاحم المجتمعي الكبير في إعادة توجيه العمل السياسي في لبنان. على الأحزاب والسياسيين أن يتلقفوا هذه الرسالة الواضحة من الشعب، وأن يعيدوا النظر في مواقفهم وسياساتهم. إن تماسك المجتمع اللبناني يجب أن يكون دافعاً لإجراء مراجعة شاملة، لتقييم المرحلة السابقة والبناء من جديد نحو مستقبل أفضل للبنان. في النهاية، الجميع يعيش في مركب واحد وتحت سقف واحد، ومن الضروري أن يتكاتف الجميع لتحقيق الاستقرار والتنمية، لأن نجاح الوطن ينعكس على كل أبنائه.