أخبار النبطية

الدكتور عباس وهبي: للتراث روحٌ يفقدها المبنى عند تهديمه وانهياره

للتراث روحٌ يفقدها المبنى عند تهديمه وانهياره … هكذا فقدت النبطية مبنيين تراثيين هامين : الأول منزل المرحوم الدكتور رفيق شاهين الوزير والنائب السابق ، والذي هو اليوم منزل البروفسور المرحوم حازم شاهين … و يُعدُّ عينَ الذاكرة التاريخية التي لن تُمحى لأنها قد دُوّنت في الزمن ….وهذه الدارة الشامخة بأهلها الأشراف ، و في نبطية العلماء والشهداء تعود إلى بداية الثلاثينيات من القرن الماضي ، و قد بناها المرحوم أبو حازم شاهين عند عودته من المكسيك عندما كان مغترباً ، و هذه الدارة شهدت على أيامٍ حافلةٍ أمّتها الجماهير ، والزعماء الكبار على غرار دولة الرئيس أحمد بك الأسعد ،و من ثم دولة الرئيس عادل عسيران ، و سماحة الامام موسى الصدر ، وغيرهم من الشخصيات الوطنية السياسية والدينية اللامعة … و قد خاض الدكتور رفيق شاهين غمار الحياة السياسية منطلقاً من هذه الدارة الأبيّة الناصعةِ ، ابنة التاريخ ، و بستانِ المحبّة والأنفة والإحسان ، حيث شهدت على العديد من الدورات الانتخابية التي كان يفوز فيها تارةً ، و يفشلُ تارة أخرى ، و من ثم أكمل المسيرة البروفسور حازم شاهين ” أبو توفيق “إلى حين وفاته ، و رغم ذلك الدمار فقد بقيت الشجرة الكبيرة التي كانت في فناء الدارة ، و رغم احتراقها فإنها لم تمتْ بل ستبقى أيقونةً ترفلُ بتراثنا وتاريخنا لأن من لا تراث له ولا تاريخ له فلا هُويّة له … و حدّث بلا حرج عن دارة السيد أحمد ضاهر والمحامي حسيب ضاهر ، و التي أصبحت فيما بعد مركزاً للمجلس الثقافي للبنان الجنوبي الذي كان يرأسه النائب السابق الأديب المرحوم الأستاذ حبيب صادق ، والذي كان شاهداً على إبداعات و إرهاصات وآراء العديد من السياسيين والكتّاب والشعراء والمناضلين، و من ثمّ رمّمه بالأمس صاحبه الأستاذ كمال ضاهر على أحدث طراز ، فانتعشت الروح التراثية فيه و عادت حديقته إلى الحياة على جناح الأقحوان … لكنّ يد الغدر الهمجي أمعنت في تدمير البيتين لا بل في تدمير جزء كبير من حي الميدان حيث تثاقف الفرسان ، و حدثت المعارك التاريخية … و حيث كان الأنس طروباً ، والثقافةُ تاجاً والنضال مرتعاً ، وحيث لمعت فيه كبار الشخصيات الوطنية الوفيّة المبدعة ، والمعطاءة… إنّ القضاء على التراث و على الآثار هو محاولة حثيثة للقضاء على الهٌوية العربية ليس لمدينتي النبطية و صور فحسب بل ، و لجبل عاملة قاطبة و لبقاعنا الحبيب على غرار ما حصل و يحصل في مدينة بعلبك… ولكن كم تعرضت هذه المناطق على مرّ التاريخ و لو بدأنا منذ هجمة الصليبيين مروراً بالمماليك والعثمانيين وغيرهم ، لكنّها بقيت صامدة و مُتجددة على مرّ الزمن… و رغم ألمنا ، و حسرتنا ، و شجبنا لهذه الجريمة النكراء ، لأن هذا التراث مهما عملنا لن يعود كما كان ، لأن بين أحضان حجارته كان هناك همسٌ و حياةٌ لروح التراث التي مزقّها البارود والهمجية دون رحمة ، لكنّ أملنا بربّ هذا الكون هو نورٌ على نور…..
د. عباس وهبي
٠٩/١١/٢٠٢٤

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى