الحرب تصيب السياحة: المطاعم وبيوت الضيافة أفضل حالًا من الفنادق وإنقاذ الموسم ممكن
حقّق القطاع السياحي نجاحًا لافتًا العامَ الماضي، بفعل قدوم أكثر من مليون وافدٍ، خلال فترة الصيف، على رغم الأزمة السياسيّة والاقتصاديّة في البلد، بحيث ضخّت القطاعات السياحيّة جرعة أوكسيجين كبيرة، كان لبنان بأمسّ الحاجة إليها، في اقتصاده ونقده. وبذلك، عوّلت القطاعات السياحيّة على موسم واعد هذا الصيف، يتجاوز أرقامَ صيف 2023 أو يستنسخها بأقلّ تقدير. لكنّ الحرب المستعرة منذ سبعة أشهر جنوب لبنان، تهدّد بضرب الموسم السياحي، لاسيّما أنّها مرشّحة لمزيد من الإطالة، بفعل فشل كلّ المساعي الدوليّة لإيقافها.
وزير السياحة وليد نصّار أطلق مؤخّرًا الحملة السياحيّة لعام 2024 “مشوار رايحين مشوار” وهو عنوان أغنيّة لبنانيّة قديمة، تعكس جماليّة لبنان الأخضر بكامل جغرافيته، “صوب الغرب وصوب الشرق، والمشوار جنوب شمال” بطرقاته الجبلية وبيوته الصيفية المليانة ندى وزهور، وفق كلمات الأغنيّة، التي أتت متطابقة مع ازدهار “بيوت الضيافة” في معظم البلدات اللبنانيّة، وهي سياحة جديدة نوعًا ما، وقد شهدت رواجًا كبيرًا، وعكست طبيعة لبنان الخلاّبة، وجذبت عشّاق الطبيعة إلى ربوعه.
الأشقر: لا حجوزات في الفنادق
لكن رغم مقوّمات البلد السياحيّة، المتنوّعة بين الفنادق والمدن الفينيقيّة، والمعابد الرومانيّة، والقلاع الصليبيّة والمساجد المملوكيّة والشلالات والينابيع والأنهار و”الجنّات عمدّ النظر” المنتشرة في “قرى من زمرد” كما وصفها الراحل سعيد عقل، رغم جماليّة بلاد الأرز، يتزايد القلق من خسارة الموسم السياحي على أبواب الصيف، خصوصًا أنّ الحجوزات ليست بخير، وفق ما أكّد رئيس اتحاد النقابات السياحيّة في لبنان نقيب أصحاب الفنادق بيار الأشقر في حديث لـ “لبنان 24″ وهو على تواصل دائم مع أصحاب الفنادق”لغاية اليوم، الفنادق الذي سجّلت حجوزات، لم تتجاوز الـ 20%، علمًا أنّ الحجوزات في نفس الفترة من العام الماضي كانت قد تراوحت بين 40 و60% في الساحل، أمّا اليوم فلا حجوزات في الفنادق. خسائر القطاع كبيرة، ليس هناك أرقام دقيقة، وسنجري في آخر السنة مقارنة بين العام الحالي والسابق،لتقديرها”.
في حال توقّفت الحرب في المدى القريب، هل ترتفع الحجوزات، أم يكون القطار قد فاتنا؟
مقاربة هذه المسألة تختلف بين السيّاح، يوضح الأشقر “بالنسبة للأجانب، حتّى لو انتهت الحرب غدًا، هناك تحذيرات صادرة عن دولهم بعدم القدوم إلى لبنان، وإلغاء الحظر عن مجيء رعاياهم إلى لبنان لا يكون فور توقّف الحرب، إذ يبقى هناك نوع من التخوّف. أمّا بالنسبة للمغتربين اللبنانيين، فالوضع يختلف، هؤلاء سيزورون بلدهم بكثافة أكبر إذا انتهت الحرب، ولكن في هذه الحال، سترتفع كلفة الحجز بمقدار 30 و40% مقارنة بالحجز في شهر شباط”. هذه حال الفنادق والشقق المفروشة، أمّا باقي القطاعات السياحية فوضعها أفضل، وفق الأشقر “ولكن يجب انتظار ما تحقّقه من نتائج في نهاية الصيف، خصوصًا أنّ الاستثمارات الحاصلة في المطاعم، تحتاج إلى أعداد كبيرة من الرواد، كي تعمل كلّها بنفس المستوى، وفتح مطاعم جديدة يقابله إقفال أخرى”.
ضيوف الضيافة ناشطة
بيوت الضيافة التي انتشرت في السنوات الأخيرة بكل جغرافيّة لبنان، وجذبت هواة السياحة البيئيّة، لا تشكّل معضلة بالنسبة للقطاع الفندقي، ولا تنافسه، وفق الأشقر لاسيّما وأنّ عدد غرفها محدود، وتعمل بشكل قانوني ومرخّص، وهي مسجّلة في وزارة السياحة، وتدفع الضرائب، وتُرسل إلى الأمن العام قوائم بأسماء وهويات النزلاء. لكنّ المشكلة التي يواجهها قطاع الفنادق، تكمن في Airbnb أو الموقع الإلكتروني الذي يتيح للأشخاص تأجير واستئجار أماكن سكن، إذ يلجأ أصحاب المنازل أو المستأجرون من خلاله إلى تأجير منازلهم للسيّاح “وهناك مناطق في بيروت، في مقدّمها الجميزة، يترك قاطنوها منازلهم بقصد تأجيرها، وكلّها إيجارات قديمة. هؤلاء عندما يحوّلون منازلهم إلى أماكن تجاريّة لا يدفعون الضرائب، هذا ما يحرم البلديات والخزينة من الاستفادة من ضريبة القيمة المضافة، والأخطر أنّهم خارج حلقة التواصل مع الأمن العام، كونهم يعملون بشكل فوضوي وغير قانوني، بالتالي لا يسلّمون الأمن العام قوائم بأسماء النزلاء، وقد سمعنا ما حصل في بيت مري عندما استدرجوا أحد المواطنين إلى منزل استأجروه، دون أن يعرف أحد هوية هؤلاء”.
أرقام المطار مضلّلة
بلغت إيرادات القطاع السياحي في العام الماضي 3 مليارات دولار ونصف مليار ، وأظهرت أرقام مطار رفيق الحريري الدولي الرسميّة، أنّ مجموع عدد الوافدين إلى لبنان في صيف 2023 في أشهر حزيران وتموز وآب وصل إلى 1300000 وافد. لكن وفق مقاربة الأشقر، لا تعكس أرقام الوافدين بالضرورة عدد السيّاح “لاسيّما وأنّ هناك مواطنين سوريين يستخدمون مطار بيروت في رحلاتهم.كما أنّه لا يجوز احتساب المغتربين اللبنانيين في قوائم الوافدين سياحيَّا، فهؤلاء يزورون بلدهم ويقيمون في منازلهم، ولو أنّهم يدخلون العملة الصعبة. وعندما حقّقنا مليونين وثلاثمئة ألفّ سائح عام 2010 ، كان الرقم فقط للأجانب”.
تسويق غير تقليدي عبر السوشيل ميديا
أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي تسويقًا سياحيّا لافتًا للبنان، حيث نشر السيّاح الأجانب من أوروبيين وأميركيين ومصريين وغيرهم، فيديوهات قصيرة عن رحلتهم إلى لبنان، أظهرت جمال البلد وطبيعته الخلّابة، بشلالاته وبحيراته ووديانه وجباله وأرزه وبيوته التراثيّة ومدنه التاريخيّة وشواطئه “وهو عامل إيجابي، لم يعرّف الأجنبي على مقومات البلد السياحيّة فحسب، بل أتاح لنا كلبنانيين اكتشاف بلدات سياحيّة، كشلالات الضنيّه وبحيرات اللقلوق، شخصيّا لم أكن أعرفها قبل هذه الفيديوهات” يقول الأشقر، لافتًا إلى مفهوم جديد برز بعد كوفيد 19، وهو سياحة المغامرات في رحاب الطبيعة التي شهدت رواجًا لدى الأجيال الشابة، وبدأنا نشهد مجموعات تسير على الأقدام من فقرا إلى صنين، وفي الممرات داخل الغابات في محميّة أرز الشوف، وساهم في نشر السياحة البيئيّة ونشاطاتها المتنوعة، بيوت الضيافة المنتشرة في الأرياف، بحيث جذبت السياح وعرفتهم على المناطق والمنتوجات البلدية”.
أثبت لبنان أنّه وجهة سياحيّة فريدة في المنطقة والعالم، ورغم عدم وجود مؤشّرات حول صيف واعد، تحضّر القطاعات السياحيّة نفسها، لتكون جاهزة لاستقبال الزوار، فور التوصل إلى تسويّة توقف آلة القتل في غزة وتنسحب على لبنان، لتنقذ موسمه السياحي واقتصاده المتهاوي من خسائر إضافيّة.
المصدر : لبنان 24