مترو حماس بقلم العميد الركن المتقاعد محمد الحسيني
بقلم العميد الركن المتقاعد محمد الحسيني
هو صنيعة أدمغة المقاومين في غزة وعلامة للفشل الإسرائيلي بإمتياز، فالبرغم من التقارير الكثيرة حول ما تُشكله أنفاق غزة من تهديد لأمن العدو أبرزها دراسة للجنرال يوسي لانغوتشكي (خبير جيولوجي إسرائيلي )، عام 2005 بعنوان: “تهديدات الأنفاق- قنبلة موقوتة إستراتيجية”، حذّر فيها جيش العدو من خطورتها، متنبئاً بما حصل في 7 اكتوبر، وعلى الرغم من إعلان العدو أكتشاف أول نفق هجومي” لكتائب القسام “في القطاع عام 2013، وتبعها عدة إكتشافات فإنه أظهر عن فشل إستعلامي تكتيي نتج عنه خطأً إستراتيجياً في صنع القرار، ففضل الحل الأسهل أي الهروب إلى الخلف وتخبئة رأسه في التراب مقرراً بعد حرب 2014 ( الرصاص المصبوب) إنشاء جدار عازل ( بكلفة مليار دولار) كسد منيع على امتداد الحدود مع القطاع ( 65كم) ظناً منه أن يحميه من هجمات المقاومين، الذين درسوا التاريخ العسكري لمعركة “ستالينغراد” واستنسخوا تجارب الكوريين والفيتناميين في هندسة الأنفاق العسكرية وعملوا بعيدا عن أنظار العدو على تطويرها تحت أرض القطاع ” بسكوت لاسلكي تام “… وقبل حرب غزة 2023 ( طوفان الأقصى) تلقى العدو عدة تحذيرات أقليمية : ” من التهور بالتدخل برياً في غزة مذكراً إياها بشبح فيتنام مع الأمريكيين “. هذه الحرب التي كانت أفشل حرب خاضتها الولايات المتحدة الأمريكية تمكّن ” الفيتكونغ ” ( الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام ) خلالها من الصمود 20 عاماً بفضل أنفاق ” كوتشي” الممتدة اكثر من 250 كم تحت الأرض عبر ممرات سرية، هذه الأنفاق المجهزة بمراكز القيادة ومخازن الأسلحة والأدوية إلخ ..نَصب “الفيتكونغ” فيها الأفخاخ البدائية المميتة (مثلاً كان يخلط الزجاج المكسور مع البراز البشري وينشره على امتداد المداخل كون العدو مُلزم بالدخول زحفاً )، ومن هذه الأنفاق إنطلق حوالي 70 الف مقاتل فيتنامي في تنفيذ هجوم “تيت” المفاجئ على اكثر من 100 هدف بالتزامن، والأمريكيون في حالة ذهول، دفعتهم إلى إنشاء وحدة أنفاق “الجرذ” هدفها التعامل مع هذه الحالة المستجدة. إنتصر “الفيتكونغ ” بفضل هذه الأنفاق بعد 7 سنوات من هجوم “تيت” ومن بعد نضال مرير. عام 2021 أعلن يحيى السنوار جهرا ً (رئيس حركة حماس في القطاع ) عن : “وجود ما يزيد عن 500 كم من الأنفاق في قطاع غزة ” . جاء هذا الإعلان ضمن حرب إعلامية هدفها إيصال رسائل للعدو تقول: 1- إنّ أنفاق غزة هي ضُعف أنفاق فيتنام فمثلما فشل الأمريكيون هناك ستفشلون هنا. 2- إنّ أنفاق فيتنام بدائية نسبة ل” مترو حماس ” (كما يسميها العدو)، فما بالكم بأنفاقنا؟. 3- تحدي العدو الإسرائيلي وإلهاؤه، هذه أنفاقنا في غزة، فماذا عن غيرها؟ تمكنت المقاومة الفلسطينية في القطاع خلال السنوات الماضية من تحويل الأنفاق إلى سلاح إستراتيجي ضد العدو، قسّمتها إلى 3 أقسام : 1- الأنفاق الهجومية: لاختراق حدود غزة اتجاه الأراضي المحتلة وشن هجمات خلف الخطوط. 2- الأنفاق الدفاعية : تستخدم داخل القطاع للدفاع عنه والتنقل والاحتجاب عن العدو، وأنفاق المدفعية والصواريخ. 3- الأنفاق اللوجستية : للقيادة والسيطرة، مخازن الذخائر والعتاد، المستوصفات، مشاغل لصيانة السلاح وأخرى لتصنيع الذخائر والقذائف، ومقسمات الهواتف السلكية. تتميز هذه الأنفاق عموماً بما يلي: 1-صعوبة إختراق طبقات أرضها المتعددة لانها تتكون من رواسب طينيه ورملية مغطاة بطبقات ملح تسبب عطلاً في الجيوفيزيائية. 2-هـُندست وفق شبكة معقدة اشبه بتعرجات حادة بوابتها لا تعود الى نهايتها وفي بعض الأماكن لا تتصل ببعضها، فهي غير مستقيمة بالشكل ،مبنية في اتجاهات مختلفة، وفي عدة طوابق، وتشمل مرافق تتيح الحياة في باطن الرض لفترة طويلة.وقد أتخذت المقاومة في الأنفاق إجراءات الدفاع السلبي ضد ( إغراق الأنفاق ، غاز الأعصاب….) 3- عرض النفق من متر الى مترين وارتفاعه من مترين الى مترين ونصف ، ويصل أقصى عمق فيه 70م بناء لاكتشاف العدو لأحد الأنفاق عام 2020. 4-للنفق الواحد عدة فتحات تسمى “عيون الأنفاق”، وهناك فتحات داخل بيوت خاصة. 5-أنفاق وهمية لتضليل العدو. 6- أنفاق مفخخة معدة للتفجير عن بُعد. 7-تؤمن للمقاومين التمويه المناسب وسهولة الحركة تُمكّنه من اصطياد أهدافه وصولاً لصفر. باختصار سريع إنها قلعة تحت الارض. إستعان العدو بحليفه الأمريكي مستفيداً من تراكم خبراته في ميدان الأنفاق لإنشاء وحدة “ياهلوم” ( للتعامل مع الأنفاق) ووحدات تابعة لها هي “سيفان” و ” سامور” وزودتهم بأجهزة إستشعار خاصة للأنفاق والكلاب المدربة ومعدات التنفس بالاضافة إلى الأسلحة الكيميائية وغاز الأعصاب وطائرات دون طيار أبرزها «نوفا 2» وهي طائرة صغيرة مدعمة بالذكاء الاصطناعي يمكنها رسم خريطة للمباني الداخلية متعددة الطوابق والمجمعات الموجودة تحت الأرض ، وعلى الرغم من ذلك ما زالت هذه الوحدة تقف عاجزة فكلما تقدمت خطوة تسبقها المقاومة الى الأسفل بأمتار، لذلك تطرح هذه الأنفاق الكثير من التحديات لوحدات “ياهلوم”، على سبيل المثال، يقال إن بعضها مزود بأبواب فولاذية قد لا تتمكن الطائرات دون طيار والروبوتات من التعامل معها. ولكن حتى لو اضطرت وحدة «سامور» أو غيرها إلى النزول إلى عمق غزة، فإن الآلات ستتقدم للأمام قبلهم، فهل هذا يكفي؟ بالمقابل ماذا أعدّت المقاومة من مفاجآت لهذه الوحدات؟ الجواب قد يكون في العيّنة الصغيرة من الذي جرى يوم 9 ديسمبر خلال عملية إنقاذ لأحد الأسرى أدت إلى مقتله ومقتل جنود من وحدة ” سامور”… وفي كمين 23 ديسمبر حيث أوقعت “القسام “مجموعة من وحدة “ياهلوم” في كمين داخل داخل أحد الأنفاق في مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة أدى إلى مقتل 5 جنود ….ورغم فشله المتكرر في القضاء على الأنفاق او حتى تحرير الأسرى مازال يطرح ويُهدد بحلول ” حمقاء ” على غرار إغراقهم بماء البحر حيث باشر بالعمل على ذلك منذ فترة ، فهل يقدر على إغراق كل الأنفاق ؟! ليست بتلك السهولة التي ينظر اليها العدو ، قد يُغرق بعضها لكن شكلها الهندسي يقول انها حُفرت وجُهزت لكافة الاحتمالات . وبات محسوماً أن للمقاومة الفلسطينية اليد العليا تحت الارض فالسيطرة الجوية للعدو لا تكفي ولن يكون سهلاً الإنجرار إلى الأرض كما لن يكون سهلاً الإنسحاب منها لأن فاتورتها السياسية ستكون باهظة جداً خاصة بعد الخسائر العسكرية الجسيمة للعدو … فهل المشهد الفيتنامي يتكرر في غزة؟ بعد هجوم “تيت” المفاجئ “للفيتكونغ” إرتكب الجيش الأميركي مجازر مروعة بحق الشعب الفيتنامي قدرت ب3 مليون ضحية، والعدو الإسرائيلي إرتكب وما زال يرتكب المجازر قبل وبعد طوفان الأقصى .. وهل تُهزم أمريكا في فلسطين؟ فالجدير ذكره أنه في العام 1975 إنسحب آخر جندي أمريكي من فيتنام محملاً بكوابيس وتوابيت رفاقه واكبته إلى الممات. واليوم القذائف الأمريكية تدمر قطاع غزة حاصدة آلاف الضحايا على أيدي جيش الإحتلال، الذي لا يتقدم بالوتيرة المُعلن عنها، فهو يعاني من عرقلة للوحدات فوق الأرض ومن ” فوبيا الأنفاق” تحت الأرض، التي يعتبرها العدو التحدي العملياتي الأكثر تعقيداً لقواته، فهل يلجأ إلى إستخدام غاز الأعصاب أو حتى الأسلحة الكيميائية في حال فشله بالقضاء على “مترو حماس”؟ وهل يتجه إلى الهزيمة الإستراتيجية في مسعاه لتحقيق مكاسب تكتيكية ؟