الحرب والطفولة أهم محاور المجموعة القصصية ” الانحناء يساراً “
د. عبادة دعدوش
بعناوين موحية وموفقة تطالعنا القاصة الفلسطينية سوزان الصعبي في مجموعتها القصصية الصادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب ، ( الانحناء يساراً ) .. رماديٌّ وأثقل ، وضحكت ، بحجم خرقة ، مع أنها خشبيّة .. وسنتوقف عند عنوان القصة الاولى ” الاسم ماء ” كمثال :
يوحي هذا الاسم في ظل أجواء الحرب التي تهيمن على المجموعة القصصية ، بأن الأسماء أضحت بلا رائحة ولا طعم ولا لون في عيون الحرب العدوانية وبين أكفِّها الطاحنة.. وقد يوحي بنقيض ذلك تماماً ففي الحرب الجميع مَكلومون وعادة يطلب الجرحى والنازفون في وسط المعارك شربة ماء ومن جهة أخرى الماء وسيلة اطفاء النار الحقيقية ، و ربما أحال هنا إلى إيقاف الاحتراق النفسي أيضاً . كما أن مَن نجى مِن الموت ويبحث عن أحبته بين الأنقاض كلاهما ينادي باسم أقرب الناس إليه ، وكأن الاسم أضحى كشربة الماء التي يطلبها من يوشك على الموت ومن يحتضر نفسياً وهو يَهيبُ بأسماءِ أحبَّتِهِ الذين يجهل مصيرهم.. إنها متناقضات الحرب.
– الطفولة والحرب :
التناول للتفاعل الاجتماعي في ظل ظروف الحرب الاستثنائية والمنعكس السيكولوجي للحدث كان موفقاً ومُقنعاً ومؤثراً ، فالطفل لا يرى كل ما تأتي به الحرب بمنظورنا فهو قد يأخذ الأشياء ببراءة وعفوية وقد تصبح غفلته عن حقيقة وأبعاد ما يحدث حوله ، تُربةً خصبة لسعادة لا يجدها الكبار .
لقد شكل الأطفال واحة فرح وسط الحطام النفسي والآلام التي عاشتها الشخصيات ، كتلك الفتاة المُقعدة بطلة القصة التي بعنوان ” وضحكت ” التي لا تستطيع اللعب لكنها تستمتع برؤية الأطفال يلعبون حولها وتفرح وكأنها تركض وتلعب معهم : كان يدور حول سريرها ، ورأسها يدور مع ضحكته .
– ألعاب أطفال أفرزتها الحرب :
هي تحب صعودهُ إلى السماء بكرة قدم ، كما تتلهّف لذلك المشاكس ” امين ” ابن الثمانية أعوام ، والذي يخترقُ الحارة مع أقرانهِ حاملين أحدهم كالمسجى يرددون ” لا إله إلا الله والشهيد حبيب الله ” يجوبون المكان جيئة ً وذهاباً مصفقين ضاحكين متسابقين على تمثيل الدول ، و أمّ سهيل العجوز تصرخ من داخل بيتها: كفّوا عن هذا يا شياطين.. ولا أحد يستمع إليها ، يمارسون اللعبة حتى آخر طفل.
نلاحظ هنا التعبير المؤثر والانتقاء الدقيق للكلمات ” حتى آخر ِ طفل ” ، تعبيرٌ واخز ٌ للقلب ومؤلم.
هذه الألعاب العجيبة المُحدثة والدخيلة على عالم الطفولة تصويرها وعرضها من قبل القاصة يشكل صدمة تُحيلنا إلى أسئلة ويُحيل المنخرطين في الأعمال المسلحة إلى إعادة النظر فيما يفعلون .
– الحدث :
وعلى صعيد الحدث ، تم التركيز على تداعيات ومنعكسات الحدث ” الداخلي ” أي النفسي ، والذي هو اعتمال أو تفاعل لمواقف أو ذكريات ومفارقات مع أشخاص ومسائل تحدث في محيط الشخصية .
ثم يأتي الحدث الخارجي ليصل بالحدث النفسي إلى ذروته ، أي أن الأصل هو الحدث النفسي والحدث الخارجي يساهم في توهجه .
– الراوي :
تنوعت الأساليب المُستخدمة من مونولوج وحوار مُقنن و تنوع للـ ” الراوي ” الذي تارةً يكون بضمير ” الأنا ” أي شخصية من الشخصيات ، وتارةً يكون بضمير ال ” هو ” أي ما يُسمى بالراوي العليم .
أما على صعيد لغة القصص فهي تطالعنا كل حين بلغة تصل سماء الشعر كما جاء في قصة موسيقا الشهيق الأخر صفحة 43 : ضيَّعت الريح آخر حجرٍ في مَعقل هذا الحُلم ، دعينا نحيك الآن موسيقا الشهيق الأخير تسابق العودان في غزل المعنى ، تعانقت أنفاسنا ، اهتزَّ الطريق والناس الهادئون المتكئون على نسائم لطيفة زوَّدتهم بمحاولة الفرح .
يُذكر أن القاصة والروائية سوزان الصعبي حائزة على إجازة في الصحافة من جامعة دمشق ، لديها اصدار مشترك بعنوان : ” على حافة الضوء ” و حائزة على جائزة ” كتارا ” المركز الثاني لعام 2021 ، وجائزة حنا مينا عن وزارة الثقافة السورية ، المركز الأول 2022 عن روايتها ” رقص كأنك النون ” وقد اختارها الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين ضمن أفضل كتاب النثر في قائمته التي أعلنها عام 2019 .