أخبار النبطية

بيان صادر عن هيئة تنسيق انتفاضة النبطية في ذكرى انتفاضة السابع عشر من تشرين

لم تكن انتفاضة السابع عشر من تشرين في العام 2019 كما يتوهّم البعض من أجل حفنة من السنتات. لقد كانت التعبير العفوي والصادق عن الغضب الكبير الذي تختزنه غالبية الفئات الشعبية الكادحة والشرائح الأوسع في المجتمع اللبناني على منظومة الفساد والمحاصصة الطائفية والسياسية التي دمّرت حياة اللبنانيين ودفعت بهم إلى هاوية القهر والمعاناة.
لقد واجهت الانتفاضة ومنذ انطلاقتها نظاماً يمتلك العديد من عناصر القوّة، وقد ظنّ أكثرنا أن لحظة الإطاحة بهذا النظام قد حانت وأن التغيير قادم لا محالة. لكن ذلك كان يفتقر إلى الدقّة في معرفة عناصر قوّة هذا النظام الناجمة عن تحالف تشكيلاته الحاكمة مع مافيات المال والفساد والتهريب والمرتكزة إلى الموروثات الطائفية والمذهبية التي تعدّ السلاح الأمضى في مواجهة بصمات الحداثة والتغيير.
وعليه فلدى استشعار هذه المنظومة الخطر على مصالحها، أعلنت التضامن بين مكوّناتها، فرحّلت الخلافات وحجبت التجاذبات وأعلنت عدم السماح بهزّ مرتكزات هذا النظام، وجرّدت كافة الأسلحة السلطوية لقمع الانتفاضة والنيل من رموزها.
لكن صورة الواقع هذا لم تسقط من الحساب الإنجاز الكبير الذي حقّقته الإنتفاضة والذي تمثّل بخروج مئات الألوف إلى الشوارع والتمكن من إسقاط حكومة النهب والفساد والمحاصصة.
وذا كانت المنظومة الحاكمة قد استعادت زمام المبادرة وشكّلت حكومة الدمى والمستشارين لكن ذلك لم يسهم في حلّ الأزمة بل زاد في تفاقمها؛ ففي ظل هذه الحكومة جرى نهب ما تبقى من ودائع اللبنانيين وتعطّلت جميع المرافق ونشطت السوق السوداء في قطاعي الأدوية والمحروقات وعزّت فاتورة الاستشفاء وتحوّلت سياسة دعم بعض السلع لصالح التجّار والمحتكرين والنافذين. كما توالى تراجع العملة الوطنية تحت وطأة الانهيار المالي والاقتصادي؛ فانهارت المداخيل، واشتعلت أسعار مختلف السلع الضرورية، واجتاحت البطالة كل المواقع، واشتدّ الخناق على أعناق اللبنانيين، ودفعت الأكثرية الساحقة منهم إلى خط الفقر أو ما دونه، وحلّت كارثة العصر في تفجير مرفأ بيروت التي أودت بحياة مئات الشهداء وأصابت آلاف الجرحى والمعوقين فضلا عن الدمار الكبير الذي أصاب معظم أحياء العاصمة. فاستقالت الحكومة نافضةً اليد من تحمّل مسؤولية ما جرى.
بعد ثلاثة عشر شهراً من العبث وسيادة الفراغ، شُكّلت الحكومة الرابعة لهذا العهد المشؤوم، أُطلق عليها تسمية حكومة “انقاذ” وكانت بواكير “إنجازاتها” تمثّل أقصر الطرق لدفع الناس إلى قعر جهنّم. فتحت أبواب التهريب ورُفع الدعم عن السلع الأساسية، وشُكّلت لجنة للتفاوض مع صندوق النقد الدولي، وخيّمت العتمة على المناطق اللبنانية كافة وتعثّرت انطلاقة العام الدراسي وتضاعف انهيار المداخيل.
إنّ الوعود البراقة التي تضمّنها البيان الوزاري لا سند فعليا لها على الإطلاق وليس في المنظور اجتراح المعجزات باستثناء موجات الحزن والتألّم التي يطلقها من حين لآخر شاغل السراي الكبير.
وفي خضمّ هذه الأزمات المتوالية، كانت الأحداث الأليمة التي شهدتها ضاحية بيروت الجنوبية والتي نجم عنها مزيد من الخسائر في الأرواح والممتلكات والتي أشعل فتيلها الاستدعاءات القضائية مما جعل البلاد تقف على حافة الإنزلاق نحو حرب أهلية عبر تزخيم الإنقسام الأهلي واستعادة المواجهة بين الشوارع وخطوط التماس والجبهات الطائفية والمناطقية واستسهال استخدام السلاح وإراقة الدماء وتقسيم مؤسسات الدولة ودفع البلد إلى جحيم الحرب الأهلية.
إننا إذ نستنكر كل المحاولات الهادفة إلى تغذية الانقسامات في البلد نؤكّد أنّ طموحنا يستهدف بناء وطن وقيام دولة ديمقراطية علمانية تسودها العدالة الإجتماعية وترعى مؤسساتها مقدرات الشعب ومصالحه.
إننا في هيئة تنسيق انتفاضة النبطية إذ ندعو مختلف القوى والمجموعات الديمقراطية في الإنتفاضة والقوى المتضررة أن تبادر إلى تنظيم صفوفها والتوافق على برنامج واقعي انقاذا للبلد واستعادة وهج انتفاضة تشرين باعتبارها المدخل الأصحّ لفتح أبواب الإنقاذ والخلاص.
مرّة أخرى، نمدّ الأيدي الصادقة لكل الطامحين في التغيير للتلاقي والنضال سويا والعمل لتوحيد ساحات الانتفاضة في مختلف مناطق الجنوب للإسهام من هذا الموقع في تعزيز ورفد الانتفاضة على المستوى الوطني حرصاً على وحدة الكيان وصوناً للسلم الأهلي. النبطية في ١٧ تشرين اول ٢٠٢١

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى