ثقافة وفن

حوار مع الدكتور عباس وهبي إعداد الشاعرة رانية مرعي

إعداد وحوار الشاعرة رانية مرعي

الصيدلي د. عباس حسن وهبي
كاتب و مؤلف وشاعر، انتُخِبَ عدة مرات عضواً للمجلس البلدي في مدينة النبطية منذ عام 1998م و حتى عام 2019 م قام خلالها بمهمات المسؤول الاعلامي الثقافي، ورئيس لجنتي الأندية والجمعيات وحقوق الطفل، و هو أمين الشؤون الثقافية في لجنة الصبَّاح الوطنية “لجنة تكريم العالم حسن كامل الصباح”.

عضو إتحاد الكتَّاب اللبنانيين ونادي الشقيف والعديد من الأندية والجمعيات .

ناشط سياسي و إجتماعي ..
له العديد من المؤلفات منها :
-علاقة الكائن الحي بالمواد الكيميائية .
-العبقري الفيلسوف حسن كامل الصباح .
-النبطية في الفلكين المحلي والعاملي منذ ما قبل الميلاد حتى عام 2011
-المخدرات والمؤثرات العقلية .
-ديوان شعري: زئير الياسمين. و ديوان آخر قيد الطبع – ومضات من تاريخ النبطية منذ ما قبل الميلاد حتى جلاء الاحتلال العثماني 1918م ” قيد الطبع”.

*كذلك له العديد من المقالات في مواضيع شتى في الجرائد والمجلات اللبنانية لا سيما في جريدة النهار اللبنانية، و على شبكات وسائل التواصل الاجتماعي .

قلمه مقاوم، يحمل هموم الناس وأوجاعهم ويعبّر عنها بأمانة وصدق.

الصيدلي د. عباس وهبي:

النظام الأخطبوطي السياسي الفاسد من الداخل جعلنا نتجرع السياسة مع كوب القهوة كل صباح

من الصيدلة والمعادلات الكيميائية إلى الشعر والأدب، كيف تقدّم نفسك للقارئ؟

ابتداءً أتوجه بالشكر الجزيل لادارة مجلتكم “كواليس” الكريمة التي تُضيء على أهل العلم والثقافة تقديراً للعطاءات الزاخرة التي تنعم بها هذه الأمة التي يتربصون بها من كل حدبٍ وصوب…
لقد عشقت التاريخ منذ طفولتي لأنّ والدي رحمه الله كان يقصّ علينا تاريخ جبل عامل، كما أنني بدأت كتابة الشعر باكراً ولو عبر محاولات عندما كان عمري 13 عاماً، و من ثمّ كان إبحاري في خضم العلوم الصيدلانية المتعددة الكواكب، والصيدلة التي أطلق العرب عليها اسم الجندلة، نسبة إلى نبتة الجندل “Macadamia” التي تفوح منها رائحة جميلة ومميزة ،فهي علمٌ و فن … وهكذا عشقت البحث العلمي والكتابة المتنوعة فأصدرتُ مؤلفاتٍ عدةً منها التاريخية ومنها التي تُعنى بالعلوم الصيدلانية على غرار المخدِّرات والمؤثرات العقلية، والزمن البيولوجي والدوائي، وسيكولوجية الزمن الذي ما انفكّ قيد الطبع … ومنها الشعرية حيث أصدرت ديواناً ضمّ نخبة قصائدي على مرّ العمر، والآن لديّ ديوان آخر سوف أفرج عنه في القريب العاجل. … كتبتُ عشرات المقالات السياسية والتاريخية وحتى في النقد الشعري والأدبي في الجرائد اللبنانية و لا سيما جريدة النهار ، والآن أصدر مقالاتي عبر وسائل التواصل الاجتماعي على أنواعها، والكتابات تترى…

* اين تجد نفسك أكثر في كتابة المقالات السياسية أو في مجال الشعر والادب؟

في كل ما يعتريني و يفيضُ من أفكار وخلجات، فالسياسة هي خبزنا اليومي كلبنانيين، ولا سيما أننا شعبٌ مقاوم يعيش بين نارين نار الصهيونية من الخارج ونار النظام الأخطبوطي السياسي الفاسد من الداخل ممّا يجعلنا نتجرع السياسة مع كوب القهوة كل صباح… وأمّا الكتابات الأدبية والشعرية فهي إلهام ٌ وخلقٌ وفيضُ وجدانٍ ، لا بل سحرٌ عجيبٌ في ولادته ، و في تأثيره على الآخرين، و في أثيره الوهمي الذي يداوي الجرح، ولا سيما أنّ جراحنا لا تندمل نظراً لاستمرار الطغاة في نكئها دون هوادة و دون رحمة… نعم الشعر ظلٌّ ما بين الحياة والموت، والكلمات تُحرّرهُ من وهمه تجعله تارةً يُلامس ما يَقضّ مضاجعنا، وطوراً تُطلقهُ في أفقٍ سحريٍّ ورديّ أو ضبابي…. الشاعر فارسٌ وهو بطبعه رياضي على حد قول أحد الشعراء الانكليز ، والرياضي هو شاعرٌ بطبعه، فكيف بحال الصيدلاني الذي يقطف النبتة، و يُعالجها فيجعلها إكسير حياة ، وبلسم شفاء، والصيدلانيّ بحكم تماسه مع أزهار وأعشاب الطبيعة ومع التحولات الكيميائية الفاتنة حيث ثورة الألوان وعبرُ التغيير ، وانسكاب الجمال من مخاض التفاعل ، فهو شاعرٌ إن تدعّم بالكلمة التي نشأت منها كل العلوم وأولها الصلاة و الأدب والشعر ، فالكلمة هي روح الوجود الأدبي والفلسفي وغيرها …

وباختصار أطير بجناحين، جناح الشعر والأدب وجناح التاريخ والسياسة وعلوم الصيدلة.

* كيف يكون الأديب أو الشاعر شخصية مؤثّرة في مجتمعه ؟ وكيف تصف علاقتك مع قرّائك وتفاعلهم مع كتاباتك؟

أرفض مقولة الفن للفن بالمطلق ، وكذلك الأدب والشعر والكتابة بشكل عام يجدر أن تكون هادفة في كثير من الأحيان ، و بشكل نسبي ذلك لأنّ الخيال عند الكاتب قد يحمل له نوعاً من الهذيان والغوص في عالم آخر قد يكون قريباً من الوهم ! ولكن هذا النوع من الشعر والأدب لا يجدر أن يُهيمن على مملكة الابداع ، فالشعر السياسي على سبيل المثال لا الحصر هو شعرٌ هادف يحمل رسالة ما ، ولكن لا يمكن أن يكون كل الشعر مسيّراً باتجاه ما لأنّ خاصية السحر التي تطغى فيه أحياناً لا يمكن التحكم بها وجعلها كالآلة! و هذا ما يتنافى مع ماهية الشعر والأدب بشكل عام الذي يجود كلما أبحر في الغيب، وكذلك كلّما لامس أحاسيس الآخرين… وبالنسبة لي ولا سيما في هذه المرحلة فإن كتاباتي أكثرها يحاكي الواقع حتّى لو تهتُ في كوكب خيالي… وعليه فإنّ الأديب أو الشاعر يجب أن يكونا القدوة في المجتمع و أن يلعبا الدور الاستراتيجي في التغيير ، على أن لا يعيشا في كوكبٍ عاجي من الأحلام والتنظير… أمّا بالنسبة لي فما انفككتُ أكتب أحاسيس الناس ومعاناتهم التي هي معاناتي، وأكون معهم في السرّاء والضرّاء، في التحركات الشعبية في الصمود ضدّ الغزاة الصهاينة، في عملية التطوير والتغيير الانمائي والعلمي، في محاربة وباء الكورونا ..الخ… لذلك فإنّ غالبية ما أكتب كانت من وحي معاناتهم لذلك ألقى الترحيب والمحبة منهم، وهذا ما يزيدني حماسةً و إشراقاً.

*يمرّ لبنان بأزمة كبيرة طالت كل فئات المجتمع،
كيف تفاعل قلمك مع هذا الواقع؟ وهل تؤمن أن الكلمة قادرة على صنع تغيير يُذكر ؟

أنا من طين هذه الأرض ومن عجينة هذا الشعب فمن البديهي أن يسيل حبري مُغمّساً بدموع ودماء وعرق الناس ..
و لا شكّ أنّ للكلمة تأثيرها رغم الضغوطات الطائفية والمذهبية والعقائدية المتحجرة المتطرفة ، فالكلمة اليوم أصبحت مجاهدة مقاومة أكثر منها عملية سفسطة، و على ذلك يكون كلامي دائماً بحسب مقتضى الحال الذي نعيشه.

* أنت عضو في العديد من المنتديات والجمعيات الثقافية .
ما دور هذه المؤسسات في الساحة اللبنانية وهل كثرتها دليل عافية؟

للأسف لقد تسيّست أكثريتها وتحوّلت إلى دكاكين حزبية يُباع ويُشرى فيها ، والبعض منها لا همّ لها الا الاستعراض والتصفيق للزعيم أو للأقوى!
والقليل منها ما انفكّت صامدة تحمل رسالتها بكلّ أمانة وشرف على غرار لجنة الصبّاح الوطنية “لجنة تكريم العالم حسن كامل الصباح” التي كان لي شرف تولي أمانة الشؤون الثقافية فيها…وطبعاً هناك العشرات من هذه الجمعيات التي تحترم نفسها وأهدافها.

من مؤلفات الدكتور عباس وهبي

* لكلّ قضيّة مثقف واعٍ يقفُ في الصفوف الأماميّة للدفاع عنها، ما هي القضية التي جندت لها موهبتك؟

تحرير الإنسان والأرض هو هدفي الأول ولا سيما في هذا الوطن الذي يعيش على حدّ السكين، كما أنني قضيت في العمل البلدي مدة عشرين عاماً حيث كنت عضوا ً بلدياً لعدة دورات تولجت فيها مهام الثقافة والاعلام والدفاع عن حقوق الطفل والمعوقين، ثمّ قدّمت استقالتي في ثورة تشرين دفاعاً عن الحريات والديمقراطية… فكان همّي الأساس هو التنمية المستدامة على الصعد كافة، وتطوير مدينتي الحبيبة النبطية التي يعود اسمها نسبة إلى الاله شيت الذي لُقِّب بالاله نبط، ولغوياً اسمها يعني نبط الماء وانبجس، وكذلك نبط الفكر من عقول أبنائها بأروع العطاءات والابداعات وفي مقدمهم العالم العبقري والفيلسوف حسن كامل الصبّاح الذي قضيت جزءاً من حياتي أنا وأخي المرحوم الدكتور كمال وهبي الباحث والكاتب والأستاذ في علم النفس والفلسفة ومع الأحبّاء الآخرين في إحياء، ذكر الصبّاح كي يبقى قدوةً لأجيالنا على الأصعدة كافة.. إذاً الدفاع عن الديمقراطية وبسطِ خيمتها هي من الأهداف الهامة في حياتي، لأنه ليس هناك تنمية من دون ديمقراطية والعكس، كما أنّه ليس هناك أوطانٌ مزدهرة لا تعيش في ظلّ الديمقراطية والتنمية …

* هل القراءة بخير برأيك في هذا الزمن الغارق في تحدّيات شتى؟ وهل شراء الكتاب ما زال من أولويات القارئ اللبناني والعربي؟

القراءة تكاد تحتضر لولا قلّة قليلة من القرّاء، وهذا على صعيد لبنان فنحن شعبٌ لا يقرأ على عكس بعض الدول العربية مثل العراق ومصر وتونس والجزائر…. ومن مصائب الدهر تبادل الآراء عبر وسائل التواصل الاجتماعي وعبر استعمال الاحرف اللاتينية لكتابة الأفكار باللغة الغربية، بالفعل إنها مأساة.. أذكر أنني منذ طفولتي أنا وأخي طبيب الأسنان د. علي وهبي كنّا نذهب الى مكتبة القسّيس في النبطية وهي من أوائل المكتبات في المدينة لاستعارة الكتب، فقرأنا بنهمٍ سواء لطه حسين أو توفيق يوسف عواد، أو نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس وغيرهم هذا عدا عن قراءة الكثير من المؤلفات الأجنبية لتشارلز ديكانز وليون تولستوي، ولفيودور دوستويفسكي و ميشال زيفاكو وغيرهم… ولكن اليوم ألاحظ أنّ أبناءنا لا يعيرون الاهتمام الكافي للقراءة لأنهم مهووسون بوسائل التواصل الاجتماعي التي بغض النظر عن إيجابياتها فإنّ مساوئها أكثر… وخير جليسٍ في الأنام كتابُ ، فحين نحمل الكتاب للقراءة نشعر بالمتعة و بأنّ للكتاب روحٌ وديعة ملهمة باذلة دون مقابل ! للأسف لم يعد الكتاب من أولويات الناس في بلدي، والسبب هو فظاعة الوضع الاقتصادي الذي سببته الطغمة السياسية والمالية الحاكمة، فأوجدت اليأس لدى السواد الأعظم، وكذلك التربية السلبية، ولكن هذا لا يجب أن يُحبطنا ويمنعنا عن مجالسة الكتاب والاستمتاع به…

* أنت ناشط سياسي واجتماعي ..
هل هذان المجالان يتكاملان، علمًا أن في لبنان عالم السياسة بعيد كل البعد عن واقع حياة الناس؟

لا يمكن القول إنّ عالم السياسة بعيدٌ عن واقع الناس بل هو في صميمه، فالشعب اللبناني بأكمله يهتم بالسياسة لانه يخوض معركة البقاء! وعليه النضال الاجتماعي قد التحم مع النضال السياسي في جبهةٍ واحدة.

* أترك لك الختام في قصيدة تختارها لقراء كواليس:

“الخانعْ “

أرأيتَ من جعلوك عبدَ المذهبِ
كم بينهم من فاسدٍ مُتعصّبِ
أنا كنتُ أحزنُ من رضوخكَ جاثماً
إني لأُذهلُ صرتُ إنْ لم تُنكبِ !
الخانعون وهم أعقُّ دُمى البِلى
الفاسدون وليس فيهم من غبي
الممتطون القابضون على الهوا
النافذون على الضميرِ المُسلبِ
ولربّ نائبةٍ إذا ما خيّمتْ
بانتْ أرقَّ من الزعيمِ الأجربِ
هْم أدمنوك على الخنوعِ و ما اكتفوا
رجماً على تاريخك المتعذّبِ
يتزاحمون على المناصبِ والعلا
ويحدّثونك عن عذابِ المتعبِ
أعلنتُ عن مترئفٍ بك لم يبِنْ
غيرُ الغريرِ الخاسىءِ المتكالبِ!

مجلة كواليس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى