ثقافة وفن

السيادة البحرية اللبنانية و قانون البحار الدولي بقلم المهندس “نادر حسان صفا”

‎المهندس نادر حسان صفا
‎لم تكن العلاقات اللبنانية مع العدو الاسرائيلي يوماً محل تفاهم و اتفاق. فالصراع الازلي ما زال قائماً بين مقاومة قدمت الاف الشهداء و بين عدو غاصب يريد الهيمنة على لبنان عسكرياً من جهة و اقتصاديا” و ماليا” من جهة اخرى بصورة مباشرة و غير مباشرة وذلك عبر تحريك اذرعه في المنطقة لزعزعة الاستقرار الداخلي . و اليوم يطلب الكيان الاسرائيلي التفاوض مع لبنان عبر الولايات المتحدة لرسم الحدود البحرية و تقسيم بلوكات الغاز الموجودة جنوباً متذرعاً بالاكاذيب لسرقة الغاز اللبناني و ثروته و تأخير عمليات الاستكشاف في البلوكات (٨-٩-١٠) و قد مرت المفاوضات بعدة مراحل فكان المفاوض من الجهة اللبنانية دولة الرئيس نبيه بري الذي حاول سفراء الولايات المتحدة و مندوبونها مراراً و تكراراً لاخضاعه الا انه بقي صامداً و لم يرض التخلي عن شبر واحد من حدود لبنان البحرية, فعمد هؤلاء الى الضغط على الافرقاء السياسيين الاخرين بهدف سحب ملف المفاوضات من بين يديه الا ان هذه المحاولة باءت بالفشل.
‎يتمثل الصراع اليوم بين لبنان و العدو الاسرائيلي بمنطقة مساحتها ٨٥٧ كلم مربع في البحر الابيض المتوسط . في 17 كانون الثاني من عام ٢٠٠٧ تم توقيع اتفاقية بين لبنان و قبرص غير مصدق عليها من قبل مجلس النواب اللبناني و لكن صادقت عليها الدولة القبرصية وقد تم بموجب هذه الاتفاقية تحديد الحدود البحرية بين لبنان و قبرص بموجب ست نقاط وضعت مع ترك هامش للنقطة 6 و النقطة 1 كونهما يشملان طرف ثالث الا و هو الكيان الاسرائيلي. و في ١٤ تموز من عام ٢٠١٠ و ١١ تشرين الاول من نفس العام سلم لبنان احداثيات المنطقة الاقتصادية الخالصة جنوباً و التي بموجبها تم تحديد النقطة ٢٣ التي تبعد مسافة متساوية عن لبنان و قبرص و فلسطين المحتلة و ذلك بعد ان عين لبنان من قبله لجنة وزارية لتحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة, فما كان من قبرص و العدو الاسرائيلي الا القيام بتوقيع اتفاقية في ١٧ كانون الاول لترسيم الحدود بينهما و قد وضعت هذه الاتفاقية قيد التنفيذ بتاريخ ١٥ شباط من عام ٢٠١١ . اعتمد الكنيست الاسرائيلي هذه الاتفاقية لتحديد المياه الاقليمية الخالصة الخاصة به مع قبرص ورفضت برقية لبنان لدى الامم المتحدة فيما يخص مياهه الاقليمية الخالصة الخاصة به فكان على رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو التصريح بان الحدود اللبنانية تتناقض مع الاتفاق المقام بين اسرائيل و قبرص و ان هذا الخط بحد ذاته يتناقض مع الخط الذي وضعته الحكومة اللبنانية بنفسها من خلال الاتفاقية مع قبرص عام ٢٠٠٧ و قال :”لا خيار امامنا الا تحديد الحدود بانفسنا” .عندها قدمت الدولة اللبنانية اعتراضا امام مجلس الامن عام ٢٠١١ و لكن من دون جدوى كالعادة.
‎و كان لبنان قد انضم الى هيئة الامم المتحدة لقانون البحار بموجب القانون رقم 259 بتاريخ شباط ١٩٩٤ ولاخذ العلم ان الكيان الاسرائيلي لم ينضم لحد الان الى هذه الهيئة . و بناء” عليه قامت الدولة اللبنانية بموجب القانون رقم ١٦٣ في تاريخ ١١ اب ٢٠١١ بتحديد حدودها البحرية وفقا” للقانون الدولي فحددت المنطقة الاقتصادية الخالصة ب ٢٠٠ ميل بحري بموجب مرسوم رقم ٦٤٢٢ بتاريخ ١ تشرين الاول من عام ٢٠١١. ووفقا” للقرار رقم ٥١ بتاريخ ٢١ ايار ٢٠٠٩ حددت الاحداثيات الجغرافية للمنطقة الاقتصادية الخالصة بناء” على تقرير لجنة وزارية داخلية و تم وضعه لدى امين عام الامم المتحدة و ذلك بموجب
‎قانون البحار .وفي شهر كانون الثاني من العام ٢٠١٧ اطلقت الحكومة اللبنانية الجولة الاولى من تراخيص التنقيب البحرية و نتيجة لذلك تم التوقيع في شباط ٢٠١٨ مع الائتلاف الثلاثي Total و Novatech و Eni للتنقيب في بلوك 1 و 9. شملت هذه الاتفاقية حفر بئر واحد خلال ثلاث سنوات و لكن الخلاف اليوم يكمن في تحديد الموقع الدقيق لنهاية الحدود البحرية و هذه النقطة هي في العادة التي تشكل بداية الخط الذي يفصل المناطق البحرية للدول المجاورة . قدم لبنان اعتراض رسمي في حزيران من العام ٢٠١١ ضد الاتفاقية الموقعة بين قبرص و اسرائيل التي حددت بموجبها الدولتان المناطق الاقتصادية الخالصة العائدة لهما كونه ليس شريكا” فيها. و الى اليوم ما زال الصراع قائما” رغم وجود المفاوضات بين الجانب الامريكي والجانب اللبناني مع دولة الرئيس نبيه بري. ويبقى السؤال: لماذا هذا الاصرار من الكيان الاسرائيلي على بلوك رقم 9 ؟ الا يؤكد هذا للبنان بان هذه المساحة المتنازع عليها هي منطقة غنية بالغاز, الامر الذي قد يجر العدوالاسرائيلي الى القيام بكل انواع الخروقات بهدف الحصول على حصة ليست من حقه اذ ان كل الاعراف و الدراسات تؤكد بانها حق لبناني.
‎في الوقت الحالي يعاني لبنان من ازمة اقتصادية و مالية صعبة ,الامر الذي قد يدفع الحكومة المقبلة الى القبول بالمفاوضات و ربما تقديم بعض التنازلات و لكن ضمن شروط معقدة تعطي للبنان حصة كبيرة من منطقة النزاع مع الكيان الاسرائيلي. في المقابل سيعمد الاسرائيلي الى عرقلة هذه المفاوضات و تاخيرها بقدر المستطاع لتحيقق مكاسب اكثر .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى