قانا تتذكر الفنان موسى طيبا في الذكرى الرابعة لرحيله
محمد علي درويش
كان موسى طيبا.. منذ نعومة أظافره وهو يحلم بالترحال. كانت رحلته الأولى من قريته الجنوبية تربيخا الى بيروت، أما رحلاته الاخرى، فلا تسل… من بيروت سافر الى فيينا ولندن وروما، وغيرها من المدن الاوروبية، واخيراً حط الرحال في فرنسا، وبالتحديد في شارتر بالغرب من باريس. ومنذ ذلك الحين، نجده تارة في شارتر حيث محترفه الفني، وطوراً في لبنان حيث متحفه ومعرضه الدائم في قرية قانا الجنوبية. اما حلمه الثاني والأهم، فهو الرسم الذي كان وراء تجواله من مكان الى آخر. ومع مرور الأيام، استطاع موسى طيبا ان يجد مكانه تحت الشمس، من خلال اعماله التجريدية التي لا تشبه أية اعمال اخرى، بحثاً عن غموض الكون واسرار الحياة، محاولاً تفسير ذلك عبر لغة الالوان الزاخرة ايضاً بالاسرار والغموض والتجدد.
موسى طيبا، نعرفه منذ سنوات طويلة، ولا أراه الا في مناسبات متباعدة، هذا المواطن العالمي، والغجري المسافر من مكان الى آخر، كرّمته “الحركة الثقافية – انطلياس” في العام 2013 كعَلَم من أعلام الثقافة، حمل اصالته المشرقية الى اوروبا، مؤكداً بُعده العالمي في مجال الابداع الفني.
موسى طيبا يشييد محترفه في قانا بالجنوب اللبناني، وهو إنجاز أول بيت فنان لبناني يحفظ فيه تراثه وتراث غيره من أبناء جيله.
بدأ موسى طيبا مشروع المحترف عام 1998 عندما قرر العودة إلى لبنان من فرنسا بعد غياب دام 16 عاماً. وهو متحف سعى عبره إلى حفظ تراثه وتراث أصدقائه ممن عرضوا أعمالهم معه في روما ولندن وباريس وبرلين”.
وعن سبب اختيار قانا مقراً لهذا البيت، ان “للبلدة تاريخاً في النضال كما أنها مسقط رأسه وبيت اهله .
متحفه الذي أشرف عليه وافتتحه في حياته هو خلاصة حياة، عاش الفنان جزءا منها في المهجر، بعيدا عن وطنه.
الفنان الذي احترق منزله ومحترفه بكل ما فيهما من لوحات في السنة الثانية من الحرب الأهلية اللبنانية (1976) استطاع من خلال متحفه الشخصي أن يعوّض خساراته كلها، معلنا انتصاره الأخير على أعداء الجمال.
ولد الفنان موسى طيبا عام 1939 في قرية تربيخا، وهي إحدى القرى السبع داخل فلسطين المحتلة. عام 1948 انتقل برفقة عائلته إلى بلدة قانا اللبنانية. بعد أن درس الرسم في الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة (1957-1961) سافر عام 1963 إلى فيينا، ومنها إلى لندن، حيث تابع هناك دروسه في الأكاديمية الملكية، بعدها انتسب إلى أكاديمية روما للفنون الجميلة، حيث تلقّى هناك دروسا في النحت والموزائيك والجداريات. عام 1967 عاد إلى لبنان ليعمل في تدريس الفن في المدارس الثانوية ومنها انتقل إلى معهد الفنون، ليدرّس التخطيط السريع وتقنية الألوان.
عام 1976 احترق منزله ومحترفه الفني بسبب معارك الفرقاء اللبنانيين، وكان ذلك الحدث مدعاة لرسمه لوحته “المجزرة” التي عرضها في معرضيه بروما وميونيخ في بداية هجرته التي انتهت عام 1986 في مدينة شارتر الفرنسية التي بدأ حياته فيها بدراسة تقنية الزجاجيات الملونة، ثم استقرها فيها، ليتخذ منها وطنا صغيرا له.
ولأنه كان يتردد على لبنان بعد نهاية الحرب الأهلية، فقد وهبته بلدته قانا مرسما خاصا به عام 1996، وهو الفضل الذي رده طيبا من خلال متحفه الشخصي الذي افتتح بحضوره عام 2002.
ومن المدهش أن الفنان طيبا ظلّ يعمل على تطوير متحفه حتى وفاته عام 2014. لقد نجح في أن يحوّله إلى متحف للفن اللبناني الحديث، حين أضاف إليه قاعة تضم مقتنياته من أعمال كبار رسامي جيله التي كانت جزءا من إرثه الروحي. لقد وضع طيبا روحه كاملة في ذلك المتحف وغاب مطمئنا. لقد عاد ابن قانا إليها ولكن بعد أن سلّمها كل ما يملك. وهو درس عظيم في الوفاء.